الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

أما قوله تعالـى: { وَبَشِّرِ } فإنه يعنـي: أخبرهم. والبشارة أصلها الـخبر بـما يسر الـمخبر به، إذا كان سابقاً به كل مخبر سواه. وهذا أمر من الله نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خـلقه الذين آمنوا به وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـماء جاء به من عند ربه، وصدقوا إيـمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالـحة، فقال له: يا مـحمد بَشِّرْ من صدقك أنك رسولـي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي، وحقق تصديقه ذلك قولاً بأداء الصالـح من الأعمال التـي افترضتها علـيه وأوجبتها فـي كتابـي علـى لسانك علـيه، أن له جنات تـجري من تـحتها الأنهار خاصة، دون من كذّب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك، ودون من أظهر تصديقك وأقرّ بأن ما جئته به فمن عندي قولاً، وجحده اعتقاداً ولـم يحققه عملاً. فإن لأولئك النار التـي وقودها الناس والـحجارة معدة عندي. والـجنات جمع جنة، والـجنة: البستان. وإنـما عنى جل ذكره بذكر الـجنة ما فـي الـجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها، فلذلك قال عزّ ذكره: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } لأنه معلوم أنه إنـما أرَادَ جل ثناؤه الـخبر عن ماء أنهارها أنه جار تـحت أشجارها وغروسها وثمارها، لا أنه جار تـحت أرضها لأن الـماء إذا كان جارياً تـحت الأرض، فلا حظّ فـيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بـينها وبـينه. علـى أن الذي توصف به أنهار الـجنة أنها جارية فـي غير أخاديد. كما: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عمرو بن مرة، عن أبـي عبـيدة، عن مسروق، قال: نـخـل الـجنة نضيد من أصلها إلـى فرعها، وثمرها أمثال القِلال، كلـما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وماؤها يجري فـي غير أخدود. وحدثنا مـجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن أبـي عبـيدة بنـحوه. وحدثنا مـحمد بن بشار قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبـي عبـيدة، فذكر مثله. قال: فقلت لأبـي عبـيدة: من حدثك، فغضب وقال: مسروق. فإذ كان الأمر كذلك فـي أن أنهارها جارية فـي غير أخاديد، فلا شك أن الذي أريد بـالـجنات أشجار الـجنات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارها تـجري فوق أرضها وتـحت غروسها وأشجارها، علـى ما ذكره مسروق. وذلك أولـى بصفة الـجنة من أن تكون أنهارها جارية تـحت أرضها. وإنـما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عبـاده فـي الإيـمان وحضهم علـى عبـادته، بـما أخبرهم أنه أعدّه لأهل طاعته والإيـمان به عنده، كما حذرهم فـي الآية التـي قبلها بـما أخبر من إعداده ما أعدّ لأهل الكفر به الـجاعلـين معه الآلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه، والتعرّض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8