الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

وهذا الـخبر من الله تعالـى ذكره عن نبـيه الذي أخبر عنه دلـيـل علـى أن الـملأ من بنـي إسرائيـل الذين قـيـل لهم هذا القول لـم يقروا ببعثة الله طالوت علـيهم ملكاً، إذ أخبرهم نبـيهم بذلك وعرّفهم فضيـلته التـي فضله الله بها ولكنهم سألوه الدلالة علـى صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به. فتأويـل الكلام إذ كان الأمر علـى ما وصفنا: { وَاللَّهُ يُؤْتِـي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ } فقالوا له: ائت بآية علـى ذلك إن كنت من الصادقـين قال لهم نبـيهم: { إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أنْ يَأتِـيَكُمُ التَّابُوتُ }. هذه القصة وإن كانت خبراً من الله تعالـى ذكره عن الـملإ من بنـي إسرائيـل ونبـيهم وما كان من ابتدائهم نبـيهم بـما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكاً يقاتلون معه فـي سبـيـله، بناء عما كان منهم من تكذيبهم نبـيهم بعد علـمهم بنبوّته ثم إخلافهم الـموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله من الـجهاد فـي سبـيـل الله بـالتـخـلف عنه حين استنهضوا الـحرب من استنهضوا لـحربه، وفتـح الله علـى القلـيـل من الفئة مع تـخذيـل الكثـير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الـجهاد معه فإنه تأديب لـمن كان بـين ظهرانـي مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا فـي تكذيبهم مـحمداً صلى الله عليه وسلم فـيـما أمرهم به ونهاهم عنه، مع علـمهم بصدقه ومعرفتهم بحقـيقة نبوّته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به علـى أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إلـيهم وإلـى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبـيهم شمويـل بن بـالـي، مع علـمهم بصدقه ومعرفتهم بحقـيقة نبوّته، وامتناعهم من الـجهاد مع طالوت لـما ابتعثه الله ملكاً علـيهم بعد مسألتهم نبـيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوّهم، ويجاهدون معه فـي سبـيـل ربهم ابتداء منهم بذلك نبـيهم، وبعد مراجعة نبـيهم شمويـل إياهم فـي ذلك وحضّ لأهل الإيـمان بـالله وبرسوله من أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى الـجهاد فـي سبـيـله، وتـحذير منه لهم أن يكونوا فـي التـخـلف عن نبـيهم مـحمد صلى الله عليه وسلم عند لقائه العدوّ ومناهضته أهل الكفر بـالله وبه علـى مثل الذي كان علـيه الـملأ من بنـي إسرائيـل فـي تـخـلفهم عن ملكهم طالوت، إذ زحف لـحرب عدوّ الله جالوت، وإيثارهم الدعة والـخفض علـى مبـاشرة حرّ الـجهاد، والقتال فـي سبـيـل الله، وشحذ منه لهم علـى الإقدام علـى مناجزة أهل الكفر به الـحرب، وترك تهيب قتالهم إن قلّ عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم، بقوله:قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد