الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله، فيعين مضعفا، أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله، ويعطي منهم مقترا. وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه. وإنما سماه الله تعالى ذكره قرضا، لأن معنى القرض: إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة، سماه قرضا، إذ كان معنى القرض في لغة العرب ما وصفنا. وإنما جعله تعالى ذكره حسنا، لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه احتسابا منه، فهو لله طاعة وللشياطين معصية. وليس ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه، ولكن ذلك كقول العرب: ”عندي لك قرض صدق وقرض سوء”: للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته، كما قال الشاعر:
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا   أو سيئا ومدينا بالذي دانا
فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره:مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261] وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا } قال: هذا في سبيل الله، { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } قال: بالواحد سبعمائة ضعف. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، قال: لما نزلت: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا؟ وإن لي أرضين إحداهما بالعالية، والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كم من عذق مذلل لأبي الدحداح في الجنة " حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الآية، قال: أنا أقرض الله! فعمد إلى خير حائط له، فتصدق به. قال: وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون وهو الولي الحميد، ويستقرض عباده. حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نزلت: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } قال أبو الدحداح: يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض؟ قال: ” نعم يا أبا الدحداح ”.

السابقالتالي
2 3