يعني تعالى ذكره: { أَلَمْ تَرَ } ألم تعلم يا محمد. وهو من رؤية القلب لا رؤية العين لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر ورؤية القلب: ما رآه وعلمه به. فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { وَهُمْ أُلُوفٌ } فقال بعضهم: في العدد بمعنى جماع ألف. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، قالوا: نأتي أرضا ليس فيها موت. حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم الله: موتوا! فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم، فأحياهم. فتلا هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، فأماتهم الله، فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه، فأحياهم. حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان، فشكوا ما أصابهم، وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا، وأي راحة لهم في الموت! أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة ألاف - قال وهب: وهم الذين قال الله: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } - فقم فيهم فنادهم! وكانت عظامهم قد تفرقت، فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل، فقال: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي! فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا. ثم نادى ثانية حزقيل، فقال: أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم! فاكتست اللحم، وبعد اللحم جلدا، فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي إلى أجسادك، فقاموا بإذن الله، وكبروا تكبيرة واحدة.