الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { وَيَسَألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ } ويسألك يا مـحمد أصحابك عن الحيض وقيل «الـمـحيض» لأن ما كان من الفعل ماضيه بفتـح عين الفعل وكسرها فـي الاستقبـال، مثل قول القائل: ضرب يضرب، وحبس يحبس، ونزل ينزل، فإن العرب تبني مصدره على المفعَل والاسم على المفعِل مثل المضَرب والـمضرِب من ضربت، ونزلت منزِلاً ومَنْزَلاً. ومسموع فـي ذوات الياء الألف والياء المعيش والمعاش والمعيب والمعاب، كما قال رؤبة فـي المعيش:
إلَيْكَ أشْكُو شِدَّةَ الـمَعِيشِ   وَمَرَّ أعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي
وإنـما كان القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذكر لنا عن الـحيض، لأنهم كانوا قبل بـيان الله لهم ما يتبـينون من أمره، لا يساكنون حائضاً فـي بـيت، ولا يؤاكلونهنّ فـي إناء، ولا يشاربونهنّ، فعرّفهم الله بهذه الآية أن الذي علـيهم فـي أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهنّ فقط دون ما عدا ذلك من مضاجعتهن ومآكلتهن ومشاربتهن. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وَيَسَألُونَكَ عَنِ الـمَـحِيضِ } حتـى بلغ: { حَّتـى يَطْهُرْنَ } فكان أهل الـجاهلـية لا تساكنهم حائض فـي بـيت، ولا تؤاكلهم فـي إناء، فأنزل الله تعالـى ذكره فـي ذلك، فحرم فرجها ما دامت حائضاً، وأحلّ ما سوى ذلك: أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك فـي فراشك إذا كان علـيها إزار مـحتـجزة به دونك. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. وقد قـيـل: إنهم سألوا عن ذلك، لأنهم كانوا فـي أيام حيضهنّ يجتنبون إتـيانهنّ فـي مخرج الدم ويأتونهن فـي أدبـارهن. فنهاهم الله عن أن يقربوهن فـي أيام حيضهن حتـى يطهرن، ثم أذن لهم إذا تطهرن من حيضهن فـي إتـيانهن من حيث أمرهم بـاعتزالهن، وحرم إتـيانهن فـي أدبـارهن بكل حال. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا خصيف، قال: ثنـي مـجاهد، قال: كانوا يجتنبون النساء فـي الـمـحيض، ويأتونهنّ فـي أدبـارهنّ، فسألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: { وَيَسَألُونَكَ عَنِ الـمَـحِيضِ } إلـى: { فإذَا تَطَهَّرْنَ فأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ } فـي الفرج ولا تعدوه. وقـيـل: إن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان ثابت بن الدحداح الأنصاري. حدثنـي بذلك موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قُلْ هُوَ أذًى }. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: قل لـمن سألك من أصحابك يا مـحمد عن الـمـحيض هو أذى. والأذى: هو ما يؤذى به من مكروه فـيه، وهو فـي هذا الـموضع يسمى أذى لنتن ريحه وقذره ونـجاسته، وهو جامع لـمعان شتـى من خلال الأذى غير واحدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد