الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك يا محمد أصحابك عن الشهر الـحرام وذلك رجب عن قتال فـيه. وخفض «القتال» علـى معنى تكرير عن علـيه، وكذلك كانت قراءة عبد الله بن مسعود فـيـما ذكر لنا. وقد: حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { يَسألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ } قال: يقول: يسألونك عن قتال فـيه. قال: وكذلك كان يقرؤها: «عن قتال فـيه». قال أبو جعفر: قل يا مـحمد قتال فـيه، يعنـي فـي الشهر الـحرام كبـير: أي عظيـم عند الله استـحلاله، وسفك الدماء فـيه. ومعنى قوله: { قِتالٍ فِـيهِ } قل القتال فـيه كبـير. وإنـما قال: قل قتال فـيه كبـير، لأن العرب كانت لا تقرع فـيه الأسنة، فـيـلقـى الرجل قاتل أبـيه أو أخيه فـيه فلا يهيجه تعظيـماً له، وتسميه مضر «الأصمّ» لسكون أصوات السلاح وقعقعته فـيه. وقد: حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري، قال: ثنا شعيب بن اللـيث، قال: ثنا اللـيث، قال: ثنا الزبـير، عن جابر قال: لـم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو فـي الشهر الـحرام إلا أن يُغْزَى، أو يغزو حتـى إذا حضر ذلك أقام حتـى ينسلـخ. وقوله جل ثناؤه: { وَصَدٌّ عَنْ سَبِـيـلِ اللَّهِ } ومعنى الصدّ عن الشيء: الـمنع منه، والدفع عنه، ومنه قـيـل: صدّ فلان بوجهه عن فلان: إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إلـيه. وقوله: { وكُفْرٌ بِه } يعنـي: وكفر بـالله، والبـاء فـي به عائدة علـى اسم الله الذي فـي سبـيـل الله. وتأويـل الكلام: وصدّ عن سبـيـل الله، وكفر به، وعن الـمسجد الـحرام وإخراج أهل الـمسجد الـحرام، وهم أهله وولاته { أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ } من القتال فـي الشهر الـحرام. فـالصدّ عن سبـيـل الله مرفوع بقوله { أكبرُ عنَد اللّهِ } وقوله: { وَإخْرَاجُ أهْلِهِ مِنْهُ } عطف علـى الصدّ ثم ابتدأ الـخبر عن الفتنة فقال: { وَالفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ } يعنـي: الشرك أعظم وأكبر من القتل، يعنـي من قتل ابن الـحضرمي الذي استنكرتـم قتله فـي الشهر الـحرام. وقد كان بعض أهل العربـية يزعم أن قوله: { وَالـمَسْجِدِ الـحَرَامِ } معطوف علـى «القتال»، وأن معناه: يسألونك عن الشهر الـحرام، عن قتال فـيه، وعن الـمسجد الـحرام، فقال الله جل ثناؤه: { وَإخْرَاجُ أهْلِهِ مِنْهُ أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ } من القتال فـي الشهر الـحرام. وهذا القول مع خروجه من أقوال أهل العلـم، قول لا وجه له لأن القوم لـم يكونوا فـي شكّ من عظيـم ما أتـى الـمشركون إلـى الـمسلـمين فـي إخراجهم إياهم من منازلهم بـمكة، فـيحتاجوا إلـى أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخراج الـمشركين إياهم من منازلهم، وهل ذلك كان لهم؟ بل لـم يدّع ذلك علـيهم أحد من الـمسلـمين، ولا أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10