الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

اختلف أهل التأويـل فـي معنى الأمة فـي هذا الـموضع، وفـي الناس الذين وصفهم الله بأنهم كانوا أمة واحدة فقال بعضهم: هم الذين كانوا بـين آدم ونوح، وهم عشرة قرون، كلهم كانوا علـى شريعة من الـحق، فـاختلفوا بعد ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام بن منبه، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: كان بـين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم علـى شريعة من الـحق، فـاختلفوا، فبعث الله النبـيـين مبشرين ومنذرين. قال: وكذلك هي فـي قراءة عبد الله «كانَ النَّاسُ أمةً واحدةً فـاختَلفُوا». حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { كانَ النَّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً } قال: كانوا علـى الهدى جميعاً، فـاختلفوا { فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِـيَّـينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرينَ } فكان أولَ نبـيّ بعث نوح. فتأويـل الأمة علـى هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عبـاس الدين، كما قال النابغة الذبـيانـي:
حَلَفْتُ فَلَـمْ أتْركْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً   وَهَلْ يَأثَمَنْ ذُو أُمّةٍ وَهُوَ طائِعُ
يعنـي ذا الدين. فكان تأويـل الآية علـى معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مـجتـمعة علـى ملة واحدة ودين واحد، فـاختلفوا، فبعث الله النبـيـين مبشرين ومنذرين. وأصل الأمة الـجماعة، تـجتـمع علـى دين واحد، ثم يكتفـى بـالـخبر عن الأمة من الـخبر عن الدين لدلالتها علـيه كما قال جل ثناؤه: { وَلَوْ شاءَ الله لَـجَعَلَكُمْ أمّةً وَاحِدَةً } يراد به أهل دين واحد وملة واحدة. فوجه ابن عبـاس فـي تأويـله قوله: { كانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً } إلـى أن الناس كانوا أهل دين واحد حتـى اختلفوا. وقال آخرون: بل تأويـل ذلك كان آدم علـى الـحق إماماً لذرّيته، فبعث الله النبـيـين فـي ولده ووجهوا معنى الأمة إلـى الطاعة لله والدعاء إلـى توحيده واتبـاع أمره من قول الله عزّ وجل: { إنَّ إبْرَاهيـمَ كانَ أُمّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِـيفـاً } يعنـي بقوله { أُمّةً } إماماً فـي الـخير يقتدى به، ويتبع علـيه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { كانَ النّاسُ أُمْةً وَاحِدَةً } قال: آدم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: { كانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً } قال: آدم، قال: كان بـين آدم ونوح عشرة أنبـياء، فبعث الله النبـيـين مبشرين ومنذرين. قال مـجاهد: آدم أمة وحده، وكأنّ من قال هذا القول استـجاز بتسمية الواحد بـاسم الـجماعة لاجتـماع أخلاق الـخير الذي يكون فـي الـجماعة الـمفرقة فـيـمن سماه بـالأمة، كما يقال: فلان أمة واحدة، يقوم مقام الأمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7