الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

يعنـي بذلك جل ثناؤه: هل ينظر الـمكذّبون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، إلا أن يأتـيهم الله فـي ظلل من الغمام والـملائكة. ثم اختلفت القراء فـي قراءة قوله: { وَالـمَلائِكَةُ }. فقرأ بعضهم: { هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أنْ يَأْتِـيَهُمُ اللّهُ فِـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالـمَلائِكَةُ } بـالرفع عطفـاً بـالـملائكة علـى اسم الله تبـارك وتعالـى، علـى معنى: هل ينظرون إلا أن يأتـيهم الله والـملائكة فـي ظلل من الغمام. ذكر من قال ذلك: حدثنـي أحمد بن يوسف، عن أبـي عبـيد القاسم بن سلاّم، قال: ثنا عبد الله بن أبـي جعفر الرازي، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية قال: فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أنْ يَأتِـيهُمُ اللّهُ وَالـمَلائِكَةُ فِـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ» قال: تأتـي الـملائكة فـي ظلل من الغمام، ويأتـي الله عز وجل فـيـما شاء. وقد حدثت هذا الـحديث عن عمار بن الـحسن، عن عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أنْ يَأتِـيَهُمُ اللّهُ فِـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالـملائِكَةُ الآية. وقال أبو جعفر الرازي: وهي فـي بعض القراءة: «هل ينظرون إلا أن يأتـيهم الله والـملائكة فـي ظلل من الغمام»، كقوله:وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بـالغَمامِ وَنُزِّلَ الـمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [الفرقان: 25]. وقرأ ذلك آخرون: «هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أنْ يَأتِـيهُمُ اللّهُ فِـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والـملائِكَةِ» بـالـخفض عطفـاً بـالـملائكة علـى الظلل بـمعنى: هل ينظرون إلا أن يأتـيهم الله فـي ظلل من الغمام وفـي الـملائكة. وكذلك اختلفت القراء فـي قراءة «ظلل»، فقرأها بعضهم: «فـي ظلل»، وبعضهم: «فـي ظلال». فمن قرأها «فـي ظلل»، فإنه وجهها إلـى أنها جمع ظلة، والظلة تـجمع ظلل وظلال، كما تـجمع الـخـلة خـلل وخلال، والـجلة جلل وجلال. وأما الذي قرأها فـي ظلال فإنه جعلها جمع ظلة، كما ذكرنا من جمعهم الـخـلة خلال. وقد يحتـمل أن يكون قارئه كذلك وجهه إلـى أن ذلك جمع ظل، لأن الظلة والظل قد يجمعان جميعاً ظلالاً. والصواب من القراءة فـي ذلك عندي { هَلْ يَنْظُرُون إلاَّ أنْ يَأتِـيَهُمُ اللّهُ فِـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ } لـخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ مِنَ الغَمامِ طاقاتٍ يَأتـي اللّه فِـيها مَـحْفوفـاً " فدل بقوله طاقات علـى أنها ظلل لا ظلال، لأن واحد الظلل ظلة، وهي الطاق. واتبـاعاً لـخط الـمصحف. وكذلك الواجب فـي كل ما اتفقت معانـيه واختلفت فـي قراءته القراء ولـم يكن علـى إحدى القراءتـين دلالة تنفصل بها من الأخرى غير اختلاف خط الـمصحف، فـالذي ينبغي أن تؤثر قراءته منها ما وافق رسم الـمصحف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6