الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره: واقتلوا أيها الـمؤمنون الذين يقاتلونكم من الـمشركين حيث أصبتـم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: { حَيْثُ ثَقِـفْتُـمُوهُم } ومعنى الثقـفة بـالأمر: الـحذق به والبصر، يقال: إنه لثَقِفٌ لَقِـف إذا كان جيد الـحذر فـي القتال بصيراً بـمواقع القتل. وأما التثقـيف فمعنى غير هذا وهو التقويـم فمعنى: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِـفْتُـمُوهُم } اقتلوهم فـي أيّ مكان تـمكنتـم من قتلهم وأبصرتـم مقاتلهم. وأما قوله: { وأخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أخْرَجُوكُمْ } فإنه يعنـي بذلك الـمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بـمكة، فقال لهم تعالـى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم وقد أخرجوكم من دياركم من مساكنكم وديارهم كما أخرجوكم منها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل }. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } والشرك بـالله أشدّ من القتل. وقد بـينت فـيـما مضى أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبـار فتأويـل الكلام: وابتلاء الـمؤمن فـي دينه حتـى يرجع عنه فـيصير مشركا بـالله من بعد إسلامه أشدّ علـيه وأضرّ من أن يقتل مقـيـماً علـى دينه متـمسكاً علـيه مـحقّاً فـيه. كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } قال: ارتداد الـمؤمن إلـى الوثن أشدّ علـيه من القتل. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } يقول: الشرك أشدّ من القتل. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } يقول: الشرك أشدّ من القتل. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } قال: الشرك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عبد الله بن كثـير، عن مـجاهد فـي قوله: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } قال: الفتنة: الشرك. حدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت الفضل بن خالد، قال: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ الَقْتِل } قال: الشرك أشد من القتل. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله جل ذكره: { وَالِفتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ } قال: فتنة الكفر. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الـمَسْجِدَ الـحَرَامِ حَّتـى يُقاتِلُوكُمْ فِـيه فإنْ قاتَلُوكُمْ فـاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكافِرِينَ }. والقرّاء مختلفة فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة ومكة: { وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الـمَسْجِد الـحَرَامِ حَّتـى يُقاتِلُوكُمْ فِـيهِ فإنْ قاتَلُوكُمْ فـاقْتُلُوهُمْ } بـمعنى: ولا تبتدئوا أيها الـمؤمنون الـمشركين بـالقتال عند الـمسجد الـحرام حتـى يبدءوكم به، فإن بدءوكم به هنالك عند الـمسجد الـحرام فـي الـحرم فـاقتلوهم، فإن الله جعل ثواب الكافرين علـى كفرهم وأعمالهم السيئة القتل فـي الدنـيا والـخزي الطويـل فـي الآخرة.

السابقالتالي
2 3