الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى } فرض علـيكم. فإن قال قائل: أفرض علـى ولـيّ القتـيـل القصاص من قاتل ولـيه؟ قـيـل: لا ولكنه مبـاح له ذلك، والعفو، وأخذ الدية. فإن قال قائل: وكيف قال: { كُتِبَ عَلَـيْكُم القِصَاصُ }؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى خلاف ما ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: يا أيها الذين آمنوا كتب علـيكم القصاص فـي القتلـى، الـحرّ بـالـحرّ، والعبد بـالعبد، والأنثى بـالأنثى. أي أن الـحرّ إذا قتل الـحرّ، فدم القاتل كفء لدم القتـيـل، والقصاص منه دون غيره من الناس، فلا تـجاوزوا بـالقتل إلـى غيره مـمن لـم يقتل، فإنه حرام علـيكم أن تقتلوا بقتـيـلكم غير قاتله. والفرض الذي فرض الله علـينا فـي القصاص هو ما وصفت من ترك الـمـجاوزة بـالقصاص قتل القاتل بقتـيـله إلـى غيره لا أنه وجب علـينا القصاص فرضاً وجوب فرض الصلاة والصيام حتـى لا يكون لنا تركه، ولو كان ذلك فرضاً لا يجوز لنا تركه لـم يكن لقوله: { فَمَنْ عُفِـيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ } معنى مفهوم، لأنه لا عفو بعد القصاص فـيقال: فمن عفـي له من أخيه شيء. وقد قـيـل: إن معنى القصاص فـي هذه الآية مقاصة ديات بعض القتلـى بديات بعض وذلك أن الآية عندهم نزلت فـي حزبـين تـحاربوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل بعضهم بعضاً، فأمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلـح بـينهم، بأن تسقط ديات نساء أحد الـحزبـين بديات نساء الآخرين، وديات رجالهم بديات رجالهم، وديات عبـيدهم بديات عبـيدهم قصاصاً، فذلك عندهم معنى القصاص فـي هذه الآية. فإن قال قائل: فإنه تعالـى ذكره قال: { كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِصَاصُ فِـي القَتْلَـى الـحُرُّ بـالـحُرّ والعَبْدُ بـالعَبْدِ والأُنَثى بـالأُنَثى } فما لنا أن نقتصّ للـحرّ إلا من الـحرّ، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟ قـيـل: بل لنا أن نقتصّ للـحرّ من العبد وللأنثى من الذكر، بقول الله تعالـى ذكره:وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [الإسراء: 33] وبـالنقل الـمستفـيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الـمسلـمونَ تتكافأُ دِماؤُهُم " فإن قال: فإذ كان ذلك، فما وجه تأويـل هذه الآية؟ قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية فـي قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لـم يرضوا من قتـيـلهم بدم قاتله من أجل أنه عبد حتـى يقتلوا به سيده، وإذا قتلت الـمرأة من غيرهم رجلاً لـم يرضوا من دم صاحبهم بـالـمرأة القاتلة، حتـى يقتلوا رجلاً من رهط الـمرأة وعشيرتها، فأنزل الله هذه الآية، فأعلـمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بـالرجل الرجل القاتل دون غيره، وبـالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال، وبـالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار، فنهاهم أن يتعدّوا القاتل إلـى غيره فـي القصاص.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد