الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِـمْ } إذ قال له ربه: أخـلص لـي العبـادة، واخضع لـي بـالطاعة، وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الإسلام فـي كلام العرب، فأغنى عن إعادته. وأما معنى قوله: { قَالَ أسْلَـمْت لِرَبّ العَالَـمِينَ } فإنه يعنـي تعالـى ذكره: قال إبراهيـم مـجيبـاً لربه: خضعت بـالطاعة، وأخـلصت بـالعبـادة لـمالك جميع الـخلائق ومدبرها دون غيره. فإن قال قائل: قد علـمت أن «إذْ» وقت فما الذي وُقّت به، وما الذي صلة؟ قـيـل: هو صلة لقوله:وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [البقرة: 130]. وتأويـل الكلام: ولقد اصطفـيناه فـي الدنـيا حين قال له ربه أسلـم، قال: أسلـمت لربّ العالـمين. فأظهر اسم «الله» فـي قوله: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِـمْ } علـى وجه الـخبر عن غائب، وقد جرى ذكره قبل علـى وجه الـخبر عن نفسه، كما قال خُفـاف بن ندبة:
أقُول لَهُ وَالرُّمْـحُ يأطُرُ مَتْنُهُ   تأمَّلْ خُفـافـاً إنَّنِـي أنا ذَالِكَا
فإن قال لنا قائل: وهل دعا الله إبراهيـم إلـى الإسلام؟ قـيـل له: نعم، قد دعاه إلـيه. فإن قال: وفـي أيّ حال دعاه إلـيه؟ قـيـل: حين قال:يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ألأنعام: 78 - 79] وذلك هو الوقت الذي قال له ربه أسلـم من بعد ما امتـحنه بـالكواكب والقمر والشمس.