الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قد دللنا فـيـما مضى قَبْلُ علـى أن تأويـل الظلـم: وضع الشيء فـي غير موضعه. وتأويـل قوله: { وَمَنْ أَظْلَـمَ }: وأيّ امرىء أشدّ تعدّياً وجراءة علـى الله وخلافـاً لأمره مِن امرىء منع مساجد الله أن يعبد الله فـيها؟ والـمساجد جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فـيه. وقد بـينا معنى السجود فـيـما مضى، فمعنى الـمسجد: الـموضع الذي يسجد لله فـيه، كما يقال للـموضع الذي يجلس فـيه: الـمـجلس، وللـموضع الذي ينزل فـيه: منزل، ثم يجمع منازل ومـجالس نظير مسجد ومساجد. وقد حكي سماعا من بعض العرب مساجد فـي واحد الـمساجد، وذلك كالـخطأ من قائله. وأما قوله: { أنْ يُذْكَرَ فِـيها اسمُهُ } فإن فـيه وجهين من التأويـل، أحدهما: أن يكون معناه: ومن أظلـم مـمن منع مساجد الله من أن يذكر فـيها اسمه، فتكون «أن» حينئذ نصبـاً من قول بعض أهل العربـية بفقد الـخافض وتعلق الفعل بها. والوجه الآخر أن يكون معناه: ومن أظلـم مـمن منع أن يذكر اسم الله فـي مساجده، فتكون «أن» حينئذ فـي موضع نصب تكريراً علـى موضع الـمساجد وردًّا علـيه. وأما قوله: { وَسَعَى فـي خَرَابِها } فإن معناه: ومن أظلـم مـمن منع مساجد الله أن يذكر فـيها اسمه، ومـمن سعى فـي خراب مساجد الله. ف«سعى» إذا عطف علـى «منع». فإن قال قائل: ومن الذي عنـي بقوله: { وَمَنْ أظْلَـمُ مِـمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَر فـيها اسمُهُ وَسَعَى فِـي خَرَابِها } وأيّ الـمساجد هي؟ قـيـل: إن أهل التأويـل فـي ذلك مختلفون، فقال بعضهم: الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فـيها اسمه هم النصارى والـمسجد بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال: حدثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: { وَمَنْ أظْلَـمُ مِـمْنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِـيها اسمُهُ } أنهم النصارى. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله: { وَمَنْ أظْلَـمُ مِـمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِـيها اسْمُهُ وَسَعَى فِـي خَرَابِها } النصارى كانوا يطرحون فـي بـيت الـمقدس الأذى، ويـمنعون الناس أن يصلوا فـيه. حدثنـي الـمثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: هو بختنصر وجنده ومن أعانهم من النصارى والـمسجد: مسجد بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: { ومَنْ أَظْلَـمُ مِـمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَرَ فِـيها اسمُهُ } الآية، أولئك أعداء الله النصارى، حملهم بغض الـيهود علـى أن أعانوا بختنصر البـابلـي الـمـجوسي علـى تـخريب بـيت الـمقدس.

السابقالتالي
2 3 4