الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت فـي قوم من أهل الكتابـين تنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم لبعض. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قالا جميعاً: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: حدثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: لـما قدم أهل نـجران من النصارى علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبـار يهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريـملة: ما أنتـم علـى شيء وكفر بعيسى ابن مريـم وبـالإنـجيـل. فقال رجل من أهل نـجران من النصارى: ما أنتـم علـى شيء وجحد نبوّة موسى وكفر بـالتوراة. فأنزل الله عزّ وجلّ فـي ذلك من قولهما: { وَقالَتِ الـيَهودُ لَـيْسَتِ النّصَارَى علـى شَيْءٍ وَقالَتِ النّصارى لَـيْسَتِ الـيَهُودُ علـى شَيْءٍ } إلـى قوله: { فـيـما كانوا فـيه يختلفون } حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { وقالَتِ الـيَهُودُ لَـيْسَتِ النّصارَى علـى شيْءٍ وَقالَتِ النّصارَى لَـيْسَتِ الـيَهُودُ علـى شَيْءٍ } قال: هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا علـى عهد النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وأما تأويـل الآية، فإن قالت الـيهود: لـيست النصارى فـي دينها علـى صواب، وقالت النصارى: لـيست الـيهود فـي دينها علـى صواب. وإنـما أخبر الله عنهم بقـيـلهم ذلك للـمؤمنـين إعلاما منه لهم بتضيـيع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته وبأنه من عند الله، وجحودهم مع ذلك ما أنزل الله فـيه من فروضه لأن الإنـجيـل الذي تدين بصحته وحقـيقته النصارى يحقق ما فـي التوراة من نبوّة موسى علـيه السلام وما فرض الله علـى بنـي إسرائيـل فـيها من الفرائض، وأن التوراة التـي تدين بصحتها وحقـيقتها الـيهود تـحقق نبوّة عيسى علـيه السلام وما جاء به من عند الله من الأحكام والفرائض. ثم قال كل فريق منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم فـي قوله: { وَقَالَتِ الـيَهُودُ لَـيْسَتِ النّصارَى علـى شَيْءٍ وقالت النّصَارَى لَـيْسَتِ الـيَهُودُ علـى شَيْءٍ } مع تلاوة كل واحد من الفريقـين كتابه الذي يشهد علـى كذبه فـي قـيـله ذلك. فأخبر جل ثناؤه أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك علـى علـم منهم أنهم فـيـما قالوه مبطلون، وأتوا ما أتوا من كفرهم بـما كفروا به علـى معرفة منهم بأنهم فـيه ملـحدون. فإن قال لنا قائل: أَوَ كانت الـيهود والنصارى بعد أن بعث الله رسوله علـى شيء، فـيكون الفريق القائل منهم ذلك للفريق الآخر مبطلاً فـي قـيـله ما قال من ذلك؟ قـيـل: قد روينا الـخبر الذي ذكرناه عن ابن عبـاس قَبْلُ، مِنْ أن إنكار كل فريق منهم إنـما كان إنكاراً لنبوّة النبـيّ صلى الله عليه وسلم، الذي ينتـحل التصديق به، وبـما جاء به الفريق الآخر، لا دفعاً منهم أن يكون الفريق الآخر فـي الـحال التـي بعث الله فـيها نبـينا صلى الله عليه وسلم علـى شيء من دينه، بسبب جحوده نبوّة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3