الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً }

يقول تعالـى ذكره: قال زكريا لـما بشره الله بـيحيى: { ربّ أنَّـي يكونُ لـي غُلام } ، ومن أيّ وجه يكون لـي ذلك، وامرأتـي عاقر لا تـحبل، وقد ضعُفت من الكبر عن مبـاضعة النساء أبأن تقوّينـي علـى ما ضعفت عنه من ذلك، وتـجعل زوجتـي ولوداً، فإنك القادر علـى ذلك وعلـى ما تشاء، أم بأن أنكح زوجة غير زوجتـي العاقر، يستثبت ربه الـخبر، عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد، الذي بشره الله به، لا إنكاراً منه صلى الله عليه وسلم حقـيقة كون ما وعده الله من الولد، وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشَّره به، وهو الـمبتدىء مسألة ربه ذلك بقوله:فَهَبْ لـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيًّا يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } بعد قولهإنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنـي وَاشْتَعَلَ الرَّأسُ شَيْبـاً } وقال السدِّي فـي ذلك ما: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: نادى جبرائيـل زكريا:إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بغُلام اسمُهُ يَحْيَى لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } فلـما سمع النداء، جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت لـيس من الله، إنـما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله أوحاه إلـيك كما يوحي إلـيك غيره من الأمر، فشكّ وقال: { إنَّـي يَكُونُ لـي غُلامٌ } يقول: من أين يكون { وَقَدْ بَلَغَنِـيَ الكِبَرُ وَامْرَأتِـي عاقِرٌ }. وقوله: { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيًّا } يقول: وقد عتوت من الكبر فصرت نـحل العظام يابسها، يقال منه للعود الـيابس: عود عاتٍ وعاسٍ، وقد عتا يعتو عِتِـيًّا وعُتُوّاً، وعسى يعسو عِسِيا وعسوّا، وكلّ متناه إلـى غايته فـي كبر أو فساد، أو كفر، فهو عات وعاس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: قد علـمتُ السنة كلها، غير أنـي لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فـي الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الـحرف: { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيًّا } أو «عِسِيًّا». حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيًّا } قال: يعنـي بـالعِتـيّ: الكبر.. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله { عِتِـيًّا } قال: نُـحول العظم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله { مِنَ الكِبَرِ عِتِـيًّا } قال: سنًّا، وكان ابن بضع وسبعين سنة. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الكِبَرِ عِتِـيًّا } قال: العتـيّ: الذي قد عتا عن الولد فـيـما يرى نفسه لا يولد له. حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَقَدْ بَلَغْتُ منَ الكبَرِ عتـيًّا } قال: هو الكبر.