الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }

وفـي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنهفَنَفَخْنا فِـيهِ مِنْ رُوحِنا } بغلام { فحَمَلَتْهُ فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصيًّا } وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه، قال: سمعت وهبـاً قال: لـما أرسل الله جبريـل إلـى مريـم تـمثَّل لها بشراً سوياً فقالت له:إنّـي أعُوذُ بـالرَّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِـيًّا } ثم نفخ فـي جيب درعها حتـى وصلت النفخة إلـى الرحم فاشتـملت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه الـيـمانـي، قال: لـما قال ذلك، يعنـي لـما قال جبريـلقالَ كذلكِ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلـيَّ هَيِّنٌ... } الآية استسلـمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: طرحَتْ علـيها جلبـابها لـما قال جبريـل ذلك لها، فأخذ جبريـل بكميها، فنفخ فـي جيب درعها، وكان مشقوقاً من قُدامها، فدخـلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريا لـيـلة تزورها فلـما فتـحت لها البـاب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريـم أشعرت أنـي حبلـى، قالت مريـم: أشعرت أيضاً أنـي حُبلـى، قالت امرأة زكريا: إنـي وجدت ما فـي بطنـي يسجد لـما فـي بطنك، فذلك قولهمُصَدّقاً بكَلِـمَةٍ مِنَ اللَّهِ } حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: يقولون: إنه إنـما نفخ فـي جيب درعها وكمها. وقوله: { فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا } يقول: فـاعتزلت بـالذي حملته، وهو عيسى، وتنـحَّت به عن الناس { مكانا قَصِيا } يقول: مكاناً نائياً قاصياً عن الناس، يقال: هو بـمكان قاص، وقصيّ بـمعنى واحد، كما قال الراجز:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ   مِنِّـي ذي القاذُورَةِ الـمَقْلِـيّ
يقال منه: قصا الـمكان يقصو قصوا: إذا تبـاعد، وأقصيت الشيء: إذا أبعدته وأخَّرته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { فـانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا } قال: مكانا نائيا. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { مَكاناً قَصِيًّا } قال: قاصيا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما بلغ أن تضع مريـم، خرجت إلـى جانب الـمـحراب الشرقـي منه فأتت أقصاه. وقوله: { فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى جِذْعِ النَّـخْـلَةِ } يقول تعالـى ذكره: فجاء بها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة، ثم قـيـل: لـما أسقطت البـاء منه أجاءها، كما يقال: أتـيتك بزيد، فإذا حذفت البـاء قـيـل آتـيتك زيداً، كما قال جلّ ثناؤه:

السابقالتالي
2 3 4