الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً }

اختلف أهل العربـية فـي الرافع للذكر، والناصب للعبد، فقال بعض نـحويـي البصرة فـي معنى ذلك كأنه قال: مـما نقصّ علـيك ذكر رحمة ربك عبده، وانتصب العبد بـالرحمة كما تقول: ذكر ضرب زيد عمراً. وقال بعض نـحويـي الكوفة: رفعت الذكر بكهيعص، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك، قال: والـمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديـم وتأخير. قال أبو جعفر: والقول الذي هو الصواب عندي فـي ذلك أن يقال: الذكر مرفوع بـمضمر مـحذوف، وهو هذا كما فعل ذلك فـي غيرها من السور، وذلك كقول الله:بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وكقوله:سُورَةٌ أنْزَلْناها } ونـحو ذلك. والعبد منصوب بـالرحمة، وزكريا فـي موضع نصب، لأنه بـيان عن العبد، فتأويـل الكلام: هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا. وقوله: { إذْ نادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِـيًّا } يقول حين دعا ربه، وسأله بنداء خفـيّ، يعنـي: وهو مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إذْ نادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِـيًّا } أي سرّا، وإن الله يعلـم القلب النقـيّ، ويسمع الصوت الـخفـيّ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: { إذْ نادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِـيًّا } قال: لا يريد رياء. حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: رغب زكريا فـي الولد، فقام فصلـى، ثم دعا ربه سرّاً، فقال: { رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّـي... } إلـىوَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيًّا } وقوله: قالَ { رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّـي } يقول تعالـى ذكره، فكان نداؤه الـخفـيّ الذي نادى به ربه أن قال: { رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّـي } يعنـي بقوله { وَهَنَ } ضعف ورقّ من الكبر، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قالَ رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّـي } أي ضعف العظم منـي. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَهَنَ العَظْمُ مِنِّـي } قال: نَـحَل العظم. قال عبد الرزاق، قال: قال الثوريّ: وبلغنـي أن زكريا كان ابن سبعين سنة. وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه النصب فـي الشَّيْب، فقال بعض نـحويّـي البصرة: نصب علـى الـمصدر من معنى الكلام، كأنه حين قال: اشتعل، قال: شاب، فقال: شَيْبـاً علـى الـمصدر. قال: ولـيس هو فـي معنى: تفقأت شحما وامتلأت ماء، لأن ذلك لـيس بـمصدر. وقال غيره: نصب الشيب علـى التفسير، لأنه يقال: اشتعل شيبُ رأسي، واشتعل رأسي شيبـاً، كما يقال: تفقَّأت شحماً، وتفقَّأ شحمي. وقوله: { ولَـمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِـيًّا } يقول: ولـم أشق يا ربّ بدعائك، لأنك لـم تـخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك فـي حاجتـي إلـيك، بل كنت تـجيب وتقضي حاجتـي قبلك. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج، قوله: { ولَـمْ أكُنْ بدُعائِكَ رَبّ شَقِـيًّا } يقول: قد كنت تعرّفنـي الإجابة فـيـما مضى.