الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واضرب يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـالله، الذين سألوك أن تطرُد الذين يدعون ربهم بـالغداة والعشيّ يريدون وجهه، { مَثلاً } مثل { رَجُلَـينِ جَعَلْنا لأَحَدهِما جَنَّتَـيْنِ } أي جعلنا له بساتـين من كروم { وحَفَفْناهُمَا بنَـخْـلٍ } يقول: وأطفنا هذين البساتـين بنـخـل. وقوله: { وَجَعَلْنا بَـيْنَهُما زَرْعاً } يقول: وجعلنا وسط هذين البساتـين زرعاً. وقوله: { كِلْتا الـجَنَّتَـيْنِ آتَتْ أُكُلَها } يقول: كلا البستانـين أطعم ثمره وما فـيه من الغروس من النـخـل والكرم وصنوف الزرع. وقال: كلتا الـجنتـين، ثم قال: آتت، فوحَّد الـخبر، لأن كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كلّ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا، ويذهبون بها وهي مفردة إلـى التثنـية قال بعض الرُّجاز فـي ذلك:
فِـي كِلْتَ رِجْلَـيْها سُلاَمي وَاحدَه   كِلْتاهُما مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ
يريد بكلت: كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلـى معرفة، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد. وقوله: { ولَـمْ تَظْلِـمْ مِنْهُ شَيْئاً } يقول: ولـم تنقص من الأكل شيئاً، بل آتت ذلك تاما كاملاً، ومنه قولهم: ظلـم فلان فلانا حقَّه: إذا بخَسَهُ ونقصه، كما قال الشاعر:
تَظَّلَـمَنِـي ما لـي كَذَا وَلَوى يَدِي   لَوَى يَدَهُ اللّهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ولَـمْ تَظْلِـمْ مِنْهُ شَيْئاً }: أي لـم تنقص منه شيئا. وقوله: { وَفَجَّرْنا خِلاَلهُما نَهَراً } يقول تعالـى ذكره: وَسيَّـلنا خلال هذين البستانـين نهراً، يعنـي بـينها وبـين أشجارهما نهراً. وقـيـل: { وفَجَّرْنا } فثقل الـجيـم منه، لأن التفجير فـي النهر كله، وذلك أنه يـميد ماء فـيُسيـل بعضه بعضاً. وقوله: { وكانَ لَهُ ثَمَرٌ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق: «وكانَ لَهُ ثُمُرٌ» بضمّ الثاء والـميـم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهب وفضة، وقالوا: ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة، يعنـي مكَّثرة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: { وكانَ لَهُ ثَمَرٌ } قال: ذهب وفضة، وفـي قول الله عزّ وجلّ:بِثُمُرِهِ } قال: هي أيضا ذهب وفضة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، فـي قوله ثَمَرٌ قال: ذهب وفضة. قال: وقوله:وأُحِيطَ بِثُمُرِهِ } هي هي أيضا. وقال آخرون: بل عُنِـي به: الـمال الكثـير من صنوف الأموال. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، عن هارون، عن سعيد بن أبـي عَروبة، عن قتادة، قال: قرأها ابن عبـاس: «وكانَ لَهُ ثُمُرُ» بـالضمّ، وقال: يعنـي أنواع الـمال.

السابقالتالي
2