الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً }

يقول تعالـى ذكره: أنزل علـى عبده القرآن معتدلاً مستقـيـماً لا عوج فـيه لـينذركم أيها الناس بأساً من الله شديداً. وعنى بـالبأس العذاب العاجل، والنكال الـحاضر والسطوة. وقوله: { مِنْ لَدُنْه } يعنـي: من عند الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق { لِـيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً } عاجل عقوبة فـي الدنـيا وعذابـا فـي الآخرة. { مِنْ لَدنْهِ }: أي من عند ربك الذي بعثك رسولاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، بنـحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { مِنْ لَدُنْهُ }: أي من عنده. فإن قال قائل: فأين مفعول قوله { لِـيُنْذَرِ } فإن مفعوله مـحذوف اكتفـى بدلالة ما ظهر من الكلام علـيه من ذكره، وهو مضمر متصل بـينذر قبل البأس، كأنه قـيـل: لـينذركم بأساً، كما قـيـل:يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ } إنـما هو: يخوّفكم أولـياءه. وقوله: { وَيُبَشِّرَ الـمُؤْمِنِـينَ } يقول: ويبشر الـمصدقـين الله ورسوله { الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِـحات } وهو العمل بـما أمر الله بـالعمل به، والانتهاء عما نهى الله عنه { أنَّ لَهُمْ أجْراً حَسَناً } يقول: ثوابـاً جزيلاً له من الله علـى إيـمانهم بـالله ورسوله، وعملهم فـي الدنـيا الصالـحات من الأعمال، وذلك الثواب: هو الـجنة التـي وعدها الـمتقون. وقوله: { ماكِثِـينَ فِـيهِ أبَداً } خالدين، لا ينتقلون عنه، ولا يُنْقَلون ونصب ماكثـين علـى الـحال من قوله: { أنَّ لَهُمْ أجْراً حَسَناً } فـي هذه الـحال فـي حال مكثهم فـي ذلك الأجر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سَلَـمة، عن ابن إسحاق { وَيُبَشِّرَ الـمُؤْمِنِـينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِـحاتِ أنَّ لَهُمْ أجْراً حَسَناً ماكِثِـينَ فِـيهِ أبَداً }: أي فـي دار خـلد لا يـموتون فـيها، الذين صدقوك بـما جئت به عن الله، وعملوا بـما أمرتهم.