الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

يقول تعالـى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتـية فـي الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إلـيهم، وعين ناظر أن ينظر إلـيهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء علـى طول الزمان، وثـيابهم من العفن علـى مرّ الأيام بقدرتنا فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرّفهم عظيـم سلطاننا، وعجيب فعلنا فـي خـلقنا، ولـيزدادوا بصيرة فـي أمرهم الذي هم علـيه من براءتهم من عبـادة الآلهة، وإخلاصهم لعبـادة الله وحده لا شريك له، إذا تبـيَّنوا طول الزمان علـيهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا. وقوله: { لِـيَتَساءَلُوا بَـيْنَهُمْ } يقول: لـيسأل بعضهم بعضا { قالَ قائلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُـمْ } يقول عزّ ذكره: فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه: { كَمْ لبثْتـمْ } وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم { قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أوْ بَعْضَ يَوْمٍ } يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: لَبِثْنا يوماً أو بعض يوم. ظناً منهم أن ذلك كذلك كان، فقال الآخرون: { رَبُّكُمْ أعْلَـمُ بِـمَا لَبِثْتُـمْ } فسلِّـموا العلـم إلـى الله. وقوله: { فـابْعَثُوا أحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلـى الـمَدِينَةِ } يعنـي مدينتهم التـي خرجوا منها هِرابـاً، التـي تسمى أفسوس { فَلْـيَنْظُرْ أيُّها أزْكَى طَعاماً فَلْـيأَتِكُمْ بِرزْقٍ مِنْهُ } ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جياعا، فلذلك طلبوا الطعام. ذكر من قال ذلك، وذكر السبب الذي من أجله ذكر أنهم بعثوا من رقدتهم حين بعثوا منها: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرنـي إسماعيـل بن بشروس، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إنهم غبروا، يعنـي الفتـية من أصحاب الكهف بعد ما بنى علـيهم بـاب الكهف زمانا بعد زمان، ثم إن راعياً أدركه الـمطر عند الكهف، فقال: لو فتـحت هذا الكهف وأدخـلت غنـمي من الـمطر، فلـم يزل يعالـجه حتـى فتـح ما أدخـله فـيه، وردّ إلـيهم أرواحهم فـي أجسامهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري طعاما فلـما أتـى بـاب مدينتهم، رأى شيئاً يُنكره، حتـى دخـل علـى رجل فقال: بعنـي بهذه الدراهم طعاماً، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لـي أمس، فآوانا اللـيـل، ثم أصبحوا، فأرسلونـي، فقال: هذه الدراهم كانت علـى عهد مُلك فلان، فأنـيَّ لك بها؟ فرفعه إلـى الـملك، وكان ملكاً صالـحاً، فقال: من أين لك هذه الوَرق؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لـي أمس، حتـى أدركَنا اللـيـل فـي كهف كذا وكذا، ثم أمرونـي أن أشتري لهم طعاماً قال: وأين أصحابك؟ قال: فـي الكهف قال: فـانطلقوا معه حتـى أتوا بـاب الكهف، فقال: دعونـي أدخـل علـى أصحابـي قبلكم فلـما رأوه، ودنا منهم ضُرِب علـى أذنه وآذانهم، فجعلوا كلـما دخـل رجل أرعب، فلـم يقدروا علـى أن يدخـلوا علـيهم، فبنوا عندهم كنـيسة، اتـخذوها مسجداً يصلون فـيه. حدثناالـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتعوّذوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتـى انتهوا إلـى الكهف، فضَرَب الله علـى سمعهم، فلبثوا دهراً طويلاً، حتـى هَلكت أمتهم، وجاءت أمَّة مسلـمة، وكان ملكهم مسلـماً، فـاختلفوا فـي الروح والـجسد، فقال قائل: يبعث الروح والـجسد جميعاً وقال قائل: يُبعث الروح، فأما الـجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئاً فشقّ علـى ملكهم اختلافهم، فـانطلق فلبس الـمُسُوح، وجلس علـى الرَّماد، ثم دعا الله تعالـى فقال: أي ربّ، قد ترى اختلاف هؤلاء، فـابعث لهم آية تبـين لهم، فبعث الله أصحاب الكهف، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً، فدخـل السوق، فجعل يُنكر الوجوه، ويعرف الطرق، ويرى الإيـمان بـالـمدينة ظاهرا، فـانطلق وهو مستـخف حتـى أتـى رجلاً يشتري منه طعاماً فلـما نظر الرجل إلـى الوَرِق أنكرها، قال: حسبت أنه قال: كأنها أخفـاف الرُّبَع، يعنـي الإبل الصغار، فقال له الفتـى: ألـيس ملككم فلانا؟ قال: بل ملكنا فلان فلـم يزل ذلك بـينهما حتـى رفعه إلـى الـملك، فسأله، فأخبره الفتـى خبر أصحابه، فبعث الـملك فـي الناس، فجمعهم، فقال: إنكم قد اختلفتـم فـي الروح والـجسد، وإن الله قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان، يعنـي ملكهم الذي مضى، فقال الفتـى: انطلقوا بـي إلـى أصحابـي فركب الـملك، وركب معه الناس حتـى انتهوا إلـى الكهف فقال الفتـى دعونـي أدخـل إلـى أصحابـي، فلـما أبصرهم ضُرِب علـى أذنه وعلـى آذانهم فلـما استبطؤوه دخـل الـملك، ودخـل الناس معه، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئاً، غير أنها لا أرواح فـيها، فقال الـملك: هذه آية بعثها الله لكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10