الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

يقول تعالى ذكره { وَتَرَى الشَّمْسَ } يامـحمد { إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ }. يعنـي بقوله: { تَزَاوَرُ }: تعدِل وتـميـل، من الزِّوَر: وهو الْعِوَج والـميـل يقال منه: فـي هذه الأرض زَوَر: إذا كان فـيها اعوجاج، وفـي فلان عن فلان ازْورار، إذا كان فـيه عنه إعراض ومنه قول بشر بن أبـي خازم:
يَؤُمُّ بِها الـحُدَاةُ مِياهَ نَـخْـلٍ   وَفِـيها عَنْ أبـانَـينِ ازْوِرَارُ
يعنـي: إعراضاً وصدًّا. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة ومكة والبصرة: «تَزَّاوَرُ» بتشديد الزاي، بـمعنى: تتزاور بتاءين، ثم أدغم إحدى التاءين فـي الزاي، كما قـيـل: تظَّاهرون علـيهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين: { تَزَاوَرُ } بتـخفـيف التاء والزاي، كأنه عنى به تفـاعل من الزور. ورُوي عن بعضهم: «تَزْوَرّ» بتـخفـيف التاء وتسكين الزاي وتشديد الراء مثل تـحمُّر، وبعضهم: «تَزْوَارّ» مثل تـحمارّ. والصواب من القول فـي قراءة ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان، أعنـي { تَزَاوَرُ } بتـخفـيف الزاي، و { تَزَّاوَرُ } بتشديدها معروفتان، مستفـيضة القراءة بكلّ واحدة منهما فـي قرّاء الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. وأما القراءتان الأخريان فإنهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، وإن كان لهما فـي العربـية وجه مفهوم، لشذوذهما عما علـيه قرأة الأمصار. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا مـحمد بن أبـي الوضاح، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } قال: تـميـل. حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } يقول: تـميـل عنهم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَتَرَى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ وإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشّمالِ } يقول: تـميـل عن كهفهم يـميناً وشمالاً. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } يقول: تـميـل ذات الـيـمين، تدعهم ذات الـيـمين. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: { تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ } قال: تـميـل عن كهفهم ذات الـيـمين. حُدثت عن يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن يَعْلَـى بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: لو أن الشمس تطلع علـيهم لأحرقتهم، ولو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض، قال: وذلك قوله: { وَتَرى الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرْ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الـيَـمِينِ وَإذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشَّمالِ }.

السابقالتالي
2 3