الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }

يقول تعالى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم:أمْ حَسِبْتَ أنَّ أصحَابَ الكَهْفِ والرَّقِـيـمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبـاً } حين أوى الفتـية أصحاب الكهف إلـى كهف الـجبل، هربـاً بدينهم إلـى الله، فقالوا إذ أووه: { رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } رغبة منهم إلـى ربهم، فـي أن يرزقهم من عنده رحمة. وقوله: { وَهَيِّىءْ لَنا مِنْ أمْرِنا رَشَداً } يقول: وقالوا: يسِّر لنا بـما نبتغي وما نلتـمس من رضاك والهرب من الكفر بك، ومن عبـادة الأوثان التـي يدعونا إلـيها قومنا، { رَشَداً } يقول: سَداداً إلـى العمل بـالذي تـحبّ. وقد اختلف أهل العلـم فـي سبب مصير هؤلاء الفِتـية إلـى الكهف الذي ذكره الله فـي كتابه، فقال بعضهم: كان سبب ذلك، أنهم كانوا مسلـمين علـى دين عيسى، وكان لهم ملك عابد وَثَن، دعاهم إلـى عبـادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم، أو يقتلهم، فـاستـخفَوا منه فـي الكهف. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الـحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو فـي قوله:أصحَابَ الكَهْفِ والرَّقِـيـمِ } كانت الفِتـية علـى دين عيسى علـى الإسلام، وكان ملكهم كافراً، وقد أخرج لهم صنـما، فأبَوا، وقالوا:رَبُّنا رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهه إلها لَقَدْ قُلْنا إذا شَطَطاً } قال: فـاعتزلوا عن قومهم لعبـادة الله، فقال أحدهم: إنه كان لأبـي كهف يأوي فـيه غنـمه، فـانطلقوا بنا نكن فـيه، فدخـلوه، وفُقدوا فـي ذلك الزمان فطُلبوا، فقـيـل: دخـلوا هذا الكهف، فقال قومهم: لا نريد لهم عقوبة ولا عذابـاً أشدّ من أن نردم علـيهم هذا الكهف، فبنوه علـيهم ثم ردموه. ثم إن الله بعث علـيهم ملكاً علـى دين عيسى، ورفع ذلك البناء الذي كان ردم علـيهم، فقال بعضهم لبعض:كَمْ لَبِثْتُـمْ } ؟ فقالُوا لَبِثنْا يَوْماً أوْ بَعْضَ يَوْمٍ... } حتـى بلغ فـابْعَثُوا أحدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلـى الـمَدِينَةِ وكان ورِق ذلك الزمان كبـاراً، فأرسلوا أحدهم يأتـيهم بطعام وشراب فلـما ذهب لـيخرج، رأى علـى بـاب الكهف شيئاً أنكره فأراد أن يرجع، ثم مضى حتـى دخـل الـمدينة، فأنكر ما رأى، ثم أخرج درهماً، فنظروا إلـيه فأنكروه، وأنكروا الدرهم، وقالوا: من أين لك هذا؟ هذا من ورق غير هذا الزمان، واجتـمعوا علـيه يسألونه، فلـم يزالوا به حتـى انطلقوا به إلـى ملكهم، وكان لقومهم لوح يكتبون فـيه ما يكون، فنظروا فـي ذلك اللوح، وسأله الـملك، فأخبره بأمره، ونظروا فـي الكتاب متـى فقد، فـاستبشروا به وبأصحابه، وقـيـل له: انطلق بنا فأرنا أصحابك، فـانطلق وانطلقوا معه، لـيريهم، فدخـل قبل القوم، فضرب علـى آذانهم، فقال الذين غلبوا علـى أمرهم:لَنَتَّـخِذَنَّ عَلَـيْهِمْ مَسْجِداً } حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: مَرِج أمر أهل الإنـجيـل وعظُمت فـيهم الـخطايا وطغت فـيهم الـملوك، حتـى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفـيهم علـى ذلك بقايا علـى أمر عيسى ابن مريـم، متـمسكون بعبـادة الله وتوحيده، فكان مـمن فعل ذلك من ملوكهم، ملك من الروم يقال له: دَقْـيَنوس، كان قد عبد الأصنام، وذبح للطواغيت، وقتل من خالفه فـي ذلك مـمن أقام علـى دين عيسى ابن مريـم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7