الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم ومن اللـيـل فـاسهر بعد نومة يا مـحمد بـالقرآن، نافلة لك خالصة دون أمتك. والتهجد: التـيقظ والسهر بعد نومة من اللـيـل. وأما الهجود نفسه: فـالنوم، كما قال الشاعر:
ألا طَرَقْتَنا والرّفـاقُ هُجُودُ   فَبـاتَتْ بِعُلاَّتِ النَّوَالِ تَـجُودُ
وقال الـحُطَيئة:
ألا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وُصحْبَتِـي   بِحَوْرَانَ حَوَرَانِ الـجُنُودِ هُجُودُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: ثنا أبـي وشعيب بن اللـيث، عن اللـيث، عن مـجاهد بن يزيد، عن أبـي هلال، عن الأعرج أنه قال: أخبرنـي حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن رجل من الأنصار، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي سفر، فقال: لأنظرنّ كيف يصلـي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استـيقظ، فرفع رأسه إلـى السماء، فتلا أربع آيات من آخر سورة آل عمرانإنَّ فِـي خَـلْقٍ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّـيْـلِ والنَّهارِ } حتـى مرّ بـالأربع، ثم أهوى إلـى القربة، فأخذ سواكا فـاستنّ به، ثم توضأ، ثم صلـى، ثم نام، ثم استـيقظ فصنع كصنعه أوّل مرّة، ويزعمون أنه التهجد الذي أمره الله. حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن، قالا: ثنا سعيد، عن أبـي إسحاق، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن علقمة والأسود أنهما قالا: التهجد بعد نومة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: التهجد: بعد نومة. حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: ثنـي أبو إسحاق، عن مـحمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة والأسود، بـمثله. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيـم، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، قال: التهجد: بعد النوم. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن هشام، عن الـحسن، قال: التهجد: ما كان بعد العشاء الآخرة. حُدثت عن عبد الله بن صالـح، عن اللـيث، عن جعفر بن ربـيعة، عن الأعرج، عن كثـير بن العبـاس، عن الـحجاج بن عمرو، قال: إنـما التهجد بعد رقدة. وأما قوله { نافِلَةً لَكَ } فإنه يقول: نفلاً لك عن فرائضك التـي فرضتها علـيك. واختُلف فـي الـمعنى الذي من أجله خصّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كون صلاة كلّ مصلّ بعد هجوده، إذا كان قبل هجوده قد كان أدّى فرائضه نافلة نفلاً، إذ كانت غير واجبة علـيه، فقال بعضهم: معنى خصوصه بذلك: هو أنها كانت فريضة علـيه، وهي لغيره تطوّع، وقـيـل له: أقمها نافلة لك: أي فضلاً لك من الفرائض التـي فرضتها علـيك عما فرضت علـى غيرك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8