الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً }

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله { وآتِ ذَا القُرْبى } فقال بعضهم: عَنى به: قرابة الـميت من قِبل أبـيه وأمه، أمر الله جلّ ثناؤه عبـاده بصلتها. ذكر من قال ذلك: حدثنا عمرانُ بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا حبـيب الـمعلـم، قال: سأل رجل الـحسن، قال: أُعْطِي قرابتـي زكاة مالـي، فقال: إن لهم فـي ذلك لـحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية { وآت ذا القُرْبى حَقَّهُ }. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله { وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ } قال: صلته التـي تريد أن تصله بها ما كنت تريد أن تفعله إلـيه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ وَالـمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِـيـلِ } قال: هو أن تصل ذا القربة والـمسكين وتـحسُن إلـى ابن السبـيـل. وقال آخرون: بل عنى به قرابه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا إسماعيـل بن أبـان، قال: ثنا الصبـاح بن يحيى الـمَزنـيّ، عن السُّديّ، عن أبـي الديـلـم، قال: قال علـيّ بن الـحسين علـيهما السلام لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفما قرأت فـي بنـي إسرائيـل { وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ } قال: وإنكم للقْرابة التـي أمر الله جلّ ثناؤه أن يُؤتـي حقه؟ قال: نعم. وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب، تأويـل من تأوّل ذلك أنها بـمعنى وصية الله عبـاده بصلة قرابـات أنفسهم وأرحامهم من قِبَل آبـائهم وأمهاتهم، وذلك أن الله عزّ وجلّ عَقَّب ذلك عقـيب حَضّه عبـاده علـى بر الآبـاء والأمَّهات، فـالواجب أن يكون ذلك حَضًّا علـى صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التـي لـم يجر لها ذكر. وإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: وأعط يا مـحمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه، وبرّك به، والعطف علـيه. وخرج ذلك مَخْرج الـخطاب لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم، والـمراد بحكمه جميع من لزمته فرائض الله، يدلّ علـى ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جلّ ثناؤه:وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وَبـالوَالِدَيْنِ إحْساناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما } فوجَّه الـخطاب بقولهوَقَضَى رَبُّكَ } إلـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ } فرجع بـالـخطاب به إلـى الـجميع، ثم صرف الـخطاب بقولهإمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ } إلـى إفراده به. والـمعنـيّ بكل ذلك جميع من لزمته فرائض الله عزّ وجلّ، أفرد بـالـخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، أو عمّ به هو وجميع أمته. وقوله: { والـمِسْكِينَ } وهو الذلَّة من أهل الـحاجة. وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الـمسكين بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

السابقالتالي
2 3