يقول تعالـى ذكره ناهياً عبـاده عن نقض الأيـمان بعد توكيدها، وآمراً بوفـاء العهود، ومـمثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس فـي نقضكم أيـمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بـالوفـاء بذلك العهود والـمواثـيق { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } يعنـي: من بعد إبرام. وكان بعض أهل العربـية يقول: القوّة: ما غُزِل علـى طاقة واحدة ولـم يثن. وقـيـل: إن التـي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بـمكة. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد الله بن كثـير: { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال: خرقاء كانت بـمكة تنقضه بعد ما تُبْرِمه. حدثنا الـمثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله بن الزبـير، عن ابن عيـينة، عن صدقة، عن السديّ: { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً تَتَّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ } قال: هي خَرْقَاءُ بـمكة كانت إذا أبرمت غزلها نقضته. وقال آخرون: إنـما هذا مثل ضربه الله لـمن نقض العهد، فشبهه بـامرأة تفعل هذا الفعل. وقالوا فـي معنى نقضت غزلها من بعد قوّة، نـحوا مـما قلنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً } فلو سمعتـم بـامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتـم: ما أحمق هذه وهذا مثل ضربه الله لـمن نكث عهده. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال: غزلها: حبلها تنقضه بعد إبرامها إياه ولا تنتفع به بعد. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } قال: نقضت حبلها من بعد إبرام قوّة. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلا تَكُونُوا كالَّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثاً } قال: هذا مثل ضربه الله لـمن نقض العهد الذي يعطيه، ضرب الله هذا له مثلاً بـمثل التـي غزلت ثم نقضت غزلها، فقد أعطاهم ثم رجع، فنكث العهد الذي أعطاهم. وقوله: { أنكاثاً } يعنـي: أنقاضاً، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نِكْث حبلاً كان ذلك أو غزلاً، يقال منه: نَكَث فلان هذا الـحبل فهو ينكُثُه نَكْثاً، والـحبل منتكِثٌ: إذا انتقضت قُواه.