الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ }

يقول تعالـى ذكره: ومن نعمة الله علـيكم أيها الناس أن جعل لكم مـما خـلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الـحرّ، وهي جمع ظلّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الـحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن قتادة، فـي قوله: { مِـمَّا خَـلَقَ ظِلالاً } قال: الشجر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِـمَّا خَـلَقَ ظِلالاً } إي والله، من الشجر ومن غيرها. وقوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْناناً } يقول: وجعل لكم من الـجبـال مواضع تسكنون فـيها، وهي جمع كِنّ كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْناناً } يقول: غيرانا من الـجبـال يسكن فـيها. { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرَّ } يعنـي ثـياب القطن والكتان والصوف وقمصها. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرَّ } من القطن والكتان والصوف. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: { سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُم الـحَرَّ } قال: القطن والكتان. وقوله: { سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ } يقول: ودروعاً تقـيكم بأسكم، والبأس: هو الـحرب، والـمعنى: تقـيكم فـي بأسكم السلاح أن يصل إلـيكم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ } من هذا الحديد. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ } قال: هي سرابـيـل من حديد. وقوله: { كذلكَ يُتِـمُّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِـمُونَ } يقول تعالـى ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التـي وصفها فـي هذه الآيات نعمة منه بذلك علـيكم، فكذا يتُـمّ نعمته علـيكم لعلكم تسلـمون. يقول: لتـخضعوا لله بـالطاعة، وتذلّ منكم بتوحيده النفوس، وتـخـلصوا له العبـادة. وقد رُوِي عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: «لَعَلَّكُمْ تَسْلَـمُونَ» بفتـح التاء. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن حنظلة، عن شهر بن حَوْشب، قال: كان ابن عبـاس يقول: «لَعَلَّكُمْ تَسْلَـمُونَ» قال: يعنـي من الـجراح. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا عبـاد بن العوّام، عن حنظلة السَّدوسيّ، عن شهر بن حَوْشب، عن ابن عبـاس، أنه قرأها: «لَعَلَّكُمْ تَسْلَـمُونَ» من الـجرَاحات، قال أحمد بن يوسف: قال أبو عبـيدة: يعنـي بفتـح التاء واللام. فتأويـل الكلام علـى قراءة ابن عبـاس هذه: كذلك يتـمّ نعمته علـيكم بـما جعل لكم من السرابـيـل التـي تقـيكم بأسكم، لتسلـموا من السلاح فـي حروبكم. والقراءة التـي أستـجيز القراءة بخلافها بضم التاء من قوله: { لَعَلَّكُمْ تُسْلِـمُونَ } وكسر اللام من أسلـمت تُسْلِـم يا هذا، لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيها.

السابقالتالي
2