الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره: ولكم فـي هذه الأنعام والـمواشي التـي خـلقها لكم { جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ } يعنـي: تردّونها بـالعشيّ من مسارحها إلـى مراحها ومنازلها التـي تأوي إلـيها ولذلك سمي الـمكان الـمراح، لأنها تراح إلـيه عشيًّا فتأوي إلـيه، يقال منه: أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة. وقوله: { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } يقول: وفـي وقت إخراجكموها غدوة من مُراحها إلـى مسارحها، يقال منه: سَرَّح فلان ماشيته يُسَرِّحُها تسريحاً، إذا أخرجها للرعي غدوة، وسرَحَتِ الـماشيةُ: إذا خرجت للـمرعى تَسْرَحُ سَرْحاً وسُرُوحاً، فـالسرح بـالغداة والإراحة بـالعشي، ومنه قوله الشاعر:
كأنَّ بَقايا الأُتْنِ فَوْقَ مُتُونِهِ   مدَبُّ الدَّبَى فَوْقَ النَّقا وَهْوَ سارِحُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاماً ضروعها طوالاً أسنـمتها، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } قال: إذا راحت كأعظم ما تكون أسنـمة، وأحسن ما تكون ضروعاً. وقوله: { وَتـحْمِلُ أثقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالغِيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُس } يقول: وتـحمل هذه الأنعام أثقالكم إلـى بلد آخر لـم تكونوا بـالغِيهِ إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيـمة. كما: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة: { وَتَـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغِيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال: لو تكلفونه لـم تبلغوه إلا بجهد شديد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: { إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال: لو كلفتـموه لـم تبلغوه إلا بشقّ الأنفس. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحِمانـي، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة: { إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونوا بـالِغِيهِ إلاَّ بِشقّ الأنْفُسِ } قال: البلد: مكة. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } قال: مشقة علـيكم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَتـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاَّ بِشِقّ الأنْفُسِ } يقول: بجهد الأنفس. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه.

السابقالتالي
2