الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

يقول تعالـى ذكره: ثم كلـي أيتها النـحل من الثمرات، { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ } يقول: فـاسلكي طرق ربك { ذُلُلاً } يقول: مُذَلَّلَةً لك، والذُّلُل: جمع ذَلُول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال: لا يتوعَّر علـيها مكان سلكته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال: طُرُقاً ذُلُلا، قال: لا يتوعَّر علـيها مكان سلكته. وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله مـجاهد، الذلل من نعت السبل. والتأويـل علـى قوله: { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } الذُّلُل لك: لا يتوعر علـيكِ سبـيـل سلكتـيه، ثم أسقطت الألف واللام فنصب علـى الـحال. وقال آخرون فـي ذلك بـما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً }: أي مطيعة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { ذُلُلاً } قال: مطيعة. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } قال: الذلول: الذي يُقاد ويُذهب به حيث أراد صاحبه، قال: فهم يخرجون بـالنـحل ينتـجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم. وقرأ:أوَلـمْ يَرَوْا أنَّا خَـلَقْنا لَهُمْ مِـمَّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعاماً فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ وَذلَّلْناها لَهُمْ } ... الآية. فعلـى هذا القول، الذُّلُل من نعت النـحل، وكلا القولـين غير بعيد من الصواب فـي الصحة وجهان مخرجان، غير أنا اخترنا أن يكون نعتاً للسُّبل لأنها إلـيها أقرب. وقوله: { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ } يقول تعالـى ذكره: يخرج من بطون النـحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لأن فـيها أبـيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الألوان. قال أبو جعفر: «أسحر»: ألوان مختلفة مثل أبـيض يضرب إلـى الـحمرة. وقوله: { فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } اختلف أهل التأويـل فـيـما عادت علـيه الهاء التـي فـي قوله: { فِـيهِ } ، فقال بعضهم: عادت علـى القرآن، وهو الـمراد بها. ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن مـجاهد: { فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } قال: فـي القرآن شفـاء. وقال آخرون: بل أريد بها العسل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنَّاسِ } ففـيه شفـاء كما قال الله تعالـى من الأدواء، وقد كان ينهي عن تفريق النـحل وعن قتلها.

السابقالتالي
2