الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

يقول تعالـى ذكره: ويجعل هؤلاء الـمشركون لله ما يكرهونه لأنفسهم. { وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ } يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه { أنَّ لهم الـحُسْنَى } فأن فـي موضع نصب، لأنها ترجمة عن الكذب. وتأويـل الكلام: ويجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم، ويزعمون أن لهم الـحسنى الذي يكرهونه لأنفسهم، البنات يجعلونهن لله تعالـى، وزعموا أن الـملائكة بنات الله. وأما الـحُسنى التـي جعلوها لأنفسهم: فـالذكور من الأولاد وذلك أنهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم ويستبقون الذكور منهم، ويقولون: لنا الذكور ولله البنات. وهو نـحو قوله:ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ وَلهُمْ ما يَشْتَهونَ } وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنَّ لَهُمُ الـحُسْنَى } قال: قول قريش: لنا البنون ولله البنات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: قول كفَّـار قُريش. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ ألْسِنَتِهُمُ الكَذِبَ }: أي يتكلـمون بأن لهم الـحُسنى أي الغلـمان. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { أنَّ لَهُمُ الـحُسْنَى } قال: الغلـمان. وقوله: { لا جَرَمَ أن لَهُمُ النَّارَ وأنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يقول تعالـى ذكره: حقًّا واجبـاً أن لهؤلاء القائلـين لله البنات الـجاعلـين له ما يكرهونه لأنفسهم ولأنفسهم الـحسنى عند الله يوم القـيامة النار. وقد بـيَّنا تأويـل قول الله: { لا جَرَمَ } فـي غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ورُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك، ما: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لا جَرَمَ } يقول: بلـى. وقوله: { لا جَرَمَ } كان بعض أهل العربـية يقول: لـم تُنْصَب جَرَمَ بـ «لا» كما نصبت الـميـم من قول: لا غلام لك قال: ولكنها نُصِبَت لأنها فعل ماض، مثل قول القائل: قَعَدَ فلان وجلس، والكلام: لا ردّ لكلامهم أي لـيس الأمر هكذا، جَرَم: كَسَبَ، مثل قوله: لا أقسم، ونـحو ذلك. وكان بعضهم يقول: نصب «جَرَمَ» بـ «لا»، وإنـما بـمعنى: لا بدّ، ولا مـحالة ولكنها كثرت فـي الكلام حتـى صارت بـمنزلة «حقًّا». وقوله: { وأنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } يقول تعالـى ذكره: وأنهم مُخَـلَّفون متروكون فـي النار، منسيُّون فـيها. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال أكثرهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك.

السابقالتالي
2 3