الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }

اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول الفـاء فـي قوله: { فَمِنَ اللّهِ } فقال بعض البصريـين: دخـلت الفـاء، لأن «ما» بـمنزلة «من» فجعل الـخبر بـالفـاء. وقال بعض الكوفـيـين: «ما» فـي معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله، لأن الـجزاء لا بدّ له من فعل مـجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لـم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر:
إن العَقْلُ فـي أموَالِنا لا نَضِقْ بِهِ   ذِرَاعاً وَإنْ صَبْراً فنَعْرِفُ للصَّبْرِ
وقال: أراد: إن يكن العقل فأضمره. قال: وإن جعلت «ما بكم» فـي معنى «الذي» جاز، وجعلت صلته «بكم» و «ما» فـي موضع رفع بقوله: { فَمِنَ اللّهِ } وأدخـل الفـاء كما قال: { إنَّ الـمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فإنَّه مُلاقِـيكُمْ } وكل اسم وصل مثل «من» و «ما» و «الذي»، فقد يجوز دخول الفـاء فـي خبره لأنه مضارع للـجزاء والـجزاء قد يجاب بـالفـاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لأنه اسم غير موصول، وكذلك تقول: مالك لـي، فإن قلت: مالك، جاز أن تقول: مالك فهو لـي، وإن ألقـيت الفـاء فصواب. وتأويـل الكلام: ما يكن بكم فـي أبدانكم أيها الناس من عافـية وصحة وسلامة وفـي أموالكم من نـماء، فـالله الـمنعم علـيكم بذلك لا غيره، لأن ذلك إلـيه وبـيده. { ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ } يقول: إذا أصابكم فـي أبدانكم سَقَم ومرض وعلة عارضة وشدّة من عيش، { فإلَـيْهِ تَـجْأَرُونَ } يقول: فإلـى الله تصرخون بـالدعاء وتستغيثون به، لـيكشف ذلك عنكم. وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جُؤاراً، وذلك إذا رفع صوتاً شديداً من جوع أو غيره ومنه قول الأعشى:
وَما أيْبُلِـيٌّ عَلـى هَيْكَلٍ   بَناهُ وَصَلَّبَ فِـيهِ وصَارَا
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الـمَلِـيـ   كِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً جُؤَارا
يعنـي بـالـجؤار: الصياح، إما بـالدعاء وإما بـالقراءة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { فإلَـيْهِ تَـجأَرُونَ } قال: تضرعون دعاء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، رضي الله عنهما، قال: الضُّرّ: السُّقْم.