الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ } أو يهلكهم فـي تصرّفهم فـي البلاد وتردّدهم فـي أسفـارهم. { فمَا هُمْ بِـمعجِزِين } يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ } يقول: فـي اختلافهم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ } قال: إنْ شئت أخذته فـي سفر. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ } فـي أسفـارهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقال ابن جريج فـي ذلك ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ } قال: التقلب: أن يأخذهم بـاللـيـل والنهار. وأما قوله: { أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوُّفٍ } فإنه يعنـي: أو يهلكهم بتـخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتـى يهلك جميعهم، يقال منه: تـخوّف مال فلان الإنفـاق: إذا انتقصه، ونـحو تـخوّفه من التـخوّف بـمعنى التنقص، وقول الشاعر:
تَـخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْها تامِكاً قَرِداً   كما تَـخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
يعنـي بقوله: تـخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عديّ أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم ومنه قول الآخر:
تَـخَوَّفَ عَدْوُهُمْ مالـي وأهْدَى   سَلاسِل فـي الـحُلُوقِ لَهَا صَلِـيـلُ
وكان الفرّاء يقول: العرب تقول: تـحوّفته: أي تنقصته، تـحوّفـاً: أي أخذته من حافـاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتـى التفسير بـالـحاء وهما بـمعنى. قال: ومثله ما قرىء بوجهين قوله: إن لكَ فـي النَّهارِ سَبْحاً و «سَبْخاً». وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن إبراهيـم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عُمَر أنه سألهم عن هذه الآية: { أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوُّفٍ } فقالوا: ما نرى إلاَّ أنه عند تنقص ما يردّده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلاَّ أنه علـى ما تنتقصون من معاصي الله. قال: فخرج رجل مـمن كان عند عمر، فلقـى أعرابـيًّا، فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تَـخَيفته، يعنـي تنقصته. قال: فرجع إلـى عمر فأخبره، فقال: قدّر الله ذلك. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخُوُّفٍ } يقول: إن شئت أخذته علـى أثر موت صاحبه وتـخوّف بذلك.

السابقالتالي
2