الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

يقول تعالـى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججنا من قبلك يا مـحمد، كما أرسلناك إلـى قومك بـمثلها من الأدلة والـحجج. كما: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح «ح» وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن الأشيب، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد «ح» وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا } قال: بـالبـينات. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا } قال: التسع الآيات: الطوفـان وما معه. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد،: { أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا } قال: التسع البـينات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وقوله: { أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُـماتِ إلـى النُّورِ } كما أنزلنا إلـيك يا مـحمد هذا الكتاب، لتـخرج الناس من الظلـمات إلـى النوربـاذْنِ رَبِّهِمْ } ويعنـي بقوله: { أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُـماتِ إلـى النُّورِ }: أي ادعهم من الضلالة إلـى الهُدى، ومن الكفر إلـى الإيـمان. كما: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: { وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُـماتِ إلـى النُّورِ } يقول: من الضلالة إلـى الهُدى. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، مثله. وقوله: { وَذَكِّرْهُمْ بأيَّامِ اللّهِ } يقول عزّ وجلّ: وعظهم بـما سلف من نعمي علـيهم فـي الأيام التـي خـلت. فـاجتزىء بذكر الأيام من ذكر النعم التـي عناها، لأنها أيام كانت معلومة عندهم، أنعم الله علـيهم فـيها نعماً جلـيـلة، أنقذهم فـيها من آل فرعون بعد ما كانوا فـيـما كانوا من العذاب الـمهين، وغرق عدوّهم فرعون وقومه، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. وكان بعض أهل العربـية يقول: معناه: خوّفهم بـما نزل بعاد وثمود وأشبـاههم من العذاب، وبـالعفو عن الآخرين. قال: وهو فـي الـمعنى كقولك: خذهم بـالشدّة واللـين. وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النعم بـالأيام شاهداً فـي كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:
وأيَّامٍ لَنا غُرَ طِوَالٍ   عَصَيْنا الـمَلْكَ فِـيها أنْ نَدِينا
وقال: فقد يكون إنما جعلها غرّا طوالاً لإنعامهم على الناس فيها. وقال: فهذا شاهد لـمن قال: { وَذَكِّرْهمْ بأيَّامِ اللّهِ } بنعم الله. ثم قال: وقد يكون تسميتها غرًّا، لعلوّهم علـى الـملك وامتناعهم منه، فأيامهم غرّ لهم وطوال علـى أعدائهم. قال أبو جعفر: ولـيس للذي قال هذا القول، من أن فـي هذا البـيت دلـيلاً علـى أن الأيام معناها النعم وجهٌ، لأن عمرو بن كلثوم إنـما وصف ما وصف من الأيام بأنها غرّ، لعزّ عشيرته فـيها، وامتناعهم علـى الـملك من الإذعان له بـالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلان قطّ يوم أبـيض، يعنون بذلك: أنه لـم يكن له يوم مذكور بخير.

السابقالتالي
2 3