الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ }

يقول تعالـى ذكره: وأنذر يا مـحمد الناس الذين أرسلتك إلـيهم داعياً إلـى الإسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتـيهم عذاب الله فـي القـيامة. { فَـيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا } يقول: فـيقول الذين كفروا بربهم، فظلـموا بذلك أنفسهم: { رَبَّنا أخِّرْنا }: أي أخِّر عنا عذابك، وأمهلنا { إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ } الـحقّ، فنؤمن بك، ولا نشرك بك شيئاً { وَنَتَّبعِ الرُّسُلَ } يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم علـى ما دعوتنا إلـيه من طاعتك واتبـاع أمرك. وبنحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: { وأنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِـيهِمُ العَذَابُ } قال: يوم القـيامة { فَـيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أخِّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ } قال: مدّة يعملون فـيها من الدنـيا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وأنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتـيهِمُ العَذابُ } يقول: أنذرهم فـي الدنـيا قبل أن يأتـيهم العذاب. وقوله: { فَـيَقُولُ الَّذِينَ ظَلـمُوا } رفع عطفـاً علـى قوله: { يَأَتـيهمُ } فـي قوله: { يأْتـيهمُ العَذَابُ } ولـيس بجواب للأمر، ولو كان جوابـاً لقوله: { وأنْذِرِ النَّاسَ } جاز فـيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:
يا نَاقَ سيرِي عَنَقا فَسِيحَا   إلـى سُلَـيْـمانَ فَنَسْتَرِيحا
والرفع علـى الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب فـي جواب الأمر بـالفـاء، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علَّـم معاذاً وأصحابه. القول فـي تأويل قوله تعالـى: { أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ }. وهذا تقريع من الله تعالـى ذكره للـمشركين من قريش بعد أن دخـلوا النار بإنكارهم فـي الدنـيا البعث بعد الـموت. يقول لهم إذ سألوه رفع العذاب عنهم وتأخيرهم لـينـيبوا ويتوبوا: { أو لَـمْ تَكُونُوا } فـي الدنـيا { أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ } يقول: ما لكم من انتقال من الدنـيا إلـى الآخرة، وأنكم إنـما تـموتون، ثم لا تبعثون؟ كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: { أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ } كقوله:وأقْسَمُوا بـاللّهِ جَهْدَ أيـمَانِهمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَـمُوتُ بلـي } ثم قال: { ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ } قال: الانتقال من الدنـيا إلـى الآخرة. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سلـمة وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } قال: لا تـموتون لقريش. حدثنـي القاسم، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـحكم، عن عمرو بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي يقول: بلغنـي، أو ذُكر لـي، أن أهل النار ينادون: { رَبَّنا أخِّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } فردّ علـيهم: { أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ }... إلـى قوله:لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ }