الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره: { و } اذكر يا مـحمد { إذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً } يعنـي الـحَرم، بلداً آمناً أهله وسكانه. { وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ } يقال منه: جَنَبْته الشرّ فأنا أَجْنُبُه جَنْبـاً وجَنَّبته الشرّ، فأنا أُجَنِّبُهُ تـجنـيبـاً، وأجنبته ذلك فأنا أُجْنِبُه إجنابـاً. ومِن «جَنَبْتُ» قول الشاعر:
وتَنْفُضُ مَهْدَهُ شفَقَاً عَلَـيْهِ   وتَجْنُبُهُ قَلائِصَنــا الصِّعابَـا
ومعنى ذلك: أبعدْني وبنيّ من عبـادة الأصنام، والأصنام: جمع صنـم، والصنـم: هو التـمثال الـمصوّر، كما قال رُؤبة بن العجَّاج فـي صفة امرأة:
وَهْنانَةٌ كالزُّونِ يُجْلَـى صَنَـمُهْ   تَضْحَكُ عن أشْنَبَ عَذْبٍ مَلْثَمُهْ
وكذلك كان مـجاهد يقول: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَإذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلَ هذَا البَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ } قالَ: فـاستـجاب الله لإبراهيـم دعوته فـي ولده، قال: فلـم يعبد أحد من ولده صنـماً بعد دعوته. والصنـم: التـمثال الـمصوّر، ما لـم يكن صنـماً فهو وثَن. قال: واستـجاب الله له، وجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماماً، وجعل من ذرّيته من يقـيـم الصلاةَ، وتقبَّل دعاءه، فأراه مناسِكَه، وتاب علـيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: كان إبراهيـم التـيـميّ يقصُّ ويقول فـي قَصَصه: من يأمن من البلاء بعد خـلـيـل الله إبراهيـم، حين يقول: ربّ { اجْنُبْنِـي وَبَنِـيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ }؟ وقوله: { رَبّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النَّاسِ } يقول: يا ربّ إن الأصنام أضللن: يقول: أزلن كثـيراً من الناس عن طريق الهُدى وسبـيـل الـحقّ حتـى عبدوهنّ، وكفروا بك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النَّاسِ } يعنـي الأوثان. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: { إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النَّاسِ } قال: الأصنام. وقوله: { فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنَّهُ مِنِّـي } يقول: فمن تبعنـي علـى ما أنا علـيه من الإيـمان بك وإخلاص العبـادة لك وفراق عبـادة الأوثان، فإنه منـي: يقول: فإنه مستنّ بسنَّتِـي، وعامل بـمثل عملـي. { وَمَنْ عَصَانِـي فإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول: ومن خالف أمري فلـم يقبل منـي ما دعوته إلـيه، وأشرك بك، فإنه غفور لذنوب الـمذنبـين الـخَطائين بفضلك، رحيـم بعبـادك تعفو عمن تشاء منهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنَّهُ مِنـي وَمَنْ عَصَانِـي فإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } اسمعوا إلـى قول خـلـيـل الله إبراهيـم، لا والله ما كانوا طَعَّانـين ولا لَعَّانـين وكان يقال: إنّ من أشرّ عبـاد الله كلّ طعان لعان، قال نبـيّ الله ابن مريـم علـيه السلام:إنْ تُعَذّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبـادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ }

السابقالتالي
2