الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ }

يقول تعالـى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } يا مـحمد { لِعبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بك وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي { يُقـيـمُوا الصَّلاةَ } يقول: قل لهم: فلـيقـيـموا الصلوات الـخمس الـمفروضة علـيهم بحدودها، ولـينفقوا مـما رزقناهم فخوّلناهم من فضلنا سرًّا وعلانـية، فلـيؤدّوا ما أوجبت علـيهم من الـحقوق فـيها سرًّا وإعلاناً. { مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِـيَ يَوْمٌ لا بَـيْعٌ فِـيهِ } يقول: لا يقبل فـيه فدية وعوض من نفس وجب علـيها عقاب الله بـما كان منها من معصية ربها فـي الدنـيا، فـيقبل منها الفدية، وتترك فلا تعاقب. فسمى الله جلّ ثناؤه الفدية عوضاً، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه. وقوله: { وَلا خِلالٌ } يقول: ولـيس هناك مُخالّة خـلـيـل، فـيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لـمخالته، بل هنالك العدل والقسط، فـالـخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلاناً فأنا أخالّه مُخَالّة وخِلالاً ومنه قول امرىء القـيس:
صرفْتُ الهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى   وَلَسْتُ بِـمَقْلِـيّ الـخِلالِ ولا قالـي
وجزم قوله: { يُقِـيـمُوا الصَّلاةَ } بتأويـل الـجزاء ومعناه الأمر، يراد: قل لهم لـيقـيـموا الصلاة. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { قُلْ لِعِبـادِيَ الَّذِينَ أمَنُوا يُقِـيـمُوا الصَّلاةَ } يعنـي الصلوات الـخمس. { وَيُنْفِقُوا مِـمَّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِـيَةً }: يقول: زكاة أموالهم. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: { مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِـيَ يَوْمٌ لا بَـيْعٌ فِـيهِ وَلا خِلالٌ } قال قتادة: إن الله تبـارك وتعالـى قد علـم أن فـي الدنـيا بـيوعاً وخلالاً يتـخالُّون بها فـي الدنـيا، فـينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب، فإن كان لله فلـيداوم، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع.