الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } * { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

يقول عزّ ذكره: وأدخـل الذين صدقوا الله ورسوله، فأقرّوا بوحدانـية الله وبرسالة رسله، وأن ما جاءت به من عند الله حقّ { وَعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ } يقول: وعملوا بطاعة الله، فـانتهوا إلـى أمر الله ونهيه { جَنَّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ } بساتـين تـجري من تـحتها الأنهار { خالدِينَ فِـيها بـاذْنِ رَبِّهِمْ } يقول: أدخـلوها بأمر الله لهم بـالدخول. { تَـحِيَّتُهُمْ فِـيها سَلامٌ } وذلك إن شاء الله كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله { تَـحَيَّتُهُمْ فِـيها سَلامٌ } قال: الـملائكة يسلـمون علـيهم فـي الـجنة. وقوله: { ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِـمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد بعين قلبك فتعلـم كيف مثَّل الله مثلاً وشبَّه شبها كلـمة طيبة، ويعنـي بـالطيبة: الإيـمان به جلّ ثناؤه: كشجرة طيبة الثمرة، وترك ذكر الثمرة استغناء بـمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة. وقوله: { أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِـي السَّماءِ } يقول عزّ ذكره: أصل هذه الشجرة ثابت فـي الأرض، وفرعها، وهو أعلاها فـي السماء: يقول: مرتفع علوا نـحو السماء. وقوله: { تُؤْتِـي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بـاذْنِ رَبِّها } يقول: تطعم ما يؤكل منها من ثمرها { كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ الأمْثالَ للنًّاسِ } يقول: ويـمثَّل الله الأمثال للناس ويشبه لهم الأشياء، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَّكَّرُونَ } يقول: لـيتذكروا حجة الله علـيهم، فـيعتبروا بها ويتعظوا، فـينزجوا عما هم علـيه من الكفر به إلـى الإيـمان. وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بـالكلـمة الطيبة، فقال بعضهم: عنـى بها: إيـمان الـمؤمن. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { كَلـمَةً طَيِّبَةً } شهادة أن لا إله إلا الله، { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وهو الـمؤمن، { أصْلُها ثابتٌ } يقول: لا إله إلا الله ثابت فـي قلب الـمؤمن، { وَفَرْعُها فِـي السَّماءِ } يقول: يرفع بها عمل الـمؤمن إلـى السماء. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: { كَلَـمَةً طَيِّبَةً } قال: هذا مثل الإيـمان، فـالإيـمان: الشجرة الطيبة، وأصله الثابت الذي لا يزول: الإخلاص لله، وفرعه فـي السماء، فرعه: خشية الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: { ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلـمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } قال: كنـخـلة. قال ابن جريج: وقال آخرون: الكلـمة الطيبة أصلها ثابت فـي ذات أصل فـي القلب { وَفَرْعُها فِـي السَّماءِ } تعرج فلا تـحجب حتـى تنتهي إلـى الله. وقال آخرون: بل عُنـي بها الـمؤمن نفسه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِـمَةً طَيِّبَةً كَشَجرَةٍ طَيِّبَةٍ أصْلُها ثابَتٌ وَفَرْعُها فِـي السَّماءِ تُؤْتِـي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بـاذْنِ رَبِّها } ، يعنـي بـالشجرة الطيبة: الـمؤمن، ويعنـي بـالأصل الثابت: فـي الأرض، وبـالفرع فـي السماء: يكون الـمؤمن يعمل فـي الأرض، ويتكلـم فـيبلغ عمله وقوله السماء وهو فـي الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8