الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

يقول تعالى ذكره: الله يا مـحمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها، فجعلها للأرض سقـفـاً مسموكاً. والعمد جمع عمود، وهي السواري، وما يُعْمد به البناء، كما قال النابغة:
وخَيِّسُ الـجِنَّ إنّـي قدْ أذِنْتُ لهُمْ   يَبْنُونَ تَدْمُرَ بـالصُّفَّـاح والعَمَدِ
وجمع العمود: عَمَد، كما جمع الأديـم: أَدَم، ولو جمع بـالضم فقـيـل: عُمُد جاز، كما يجمع الرسول: رُسُل، والشَّكُور: شُكُر. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } فقال بعضهم: تأويـل ذلك: الله الذي رفع السموات بعمَد لا ترونها. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: قلت لابن عبـاس: إن فلاناً يقول: إنها علـى عَمَد، يعنـي السماء؟ قال: فقال: اقرأها «بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها»: أي لا ترونها. حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: ثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حُدَير، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، مثله. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عفـان، قال: ثنا حماد، قال: ثنا حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، قوله: { بغَيُرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال: بعمد لا ترونها. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، فـي قول الله: { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوَنْهَا } قال: هي لا ترونها. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بغير عمد يقول: عمد. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الـحسن وقتادة، قوله: { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال قتادة: قال ابن عبـاس: بعَمَد ولكن لا ترونها. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قوله: { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال: ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها؟ ومن تأوّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديـم العرب الـجحد من آخر الكلام إلـى أوّله، كقول الشاعر:
ولا أرَاها تَزَالُ ظالِـمَةً   تُـحْدِثُ لـي نَكْبَةً وتَنْكَؤُها
يريد: أراها لا تزال ظالـمة، فقدم الـجحد عن موضعه من تزال، وكما قال الآخر:
إذَا أعْجَبَتْكَ الدَّهْر حالٌ منِ امْرِىءٍ   فَدَعْهِ وَوَاكِلْ حالَهُ واللَّـيالِـيا
يَجِئْنَ علـى ما كانَ مِنْ صَالِـحٍ بِهِ   وإنْ كانَ فِيما لا تَرَى النَّاسُ آلِيا
يعنـي: وإن كان فـيـما يرى الناس لا يألو. وقال آخرون: بل هي مرفوعة بغير عمد. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـيّ، قال: أخبرنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن إياس بن معاوية، فـي قوله: { رَفَعَ السَّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها } قال: السماء مقببة علـى الأرض مثل القبة.

السابقالتالي
2