الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إلـيه من مصر له حين قال { يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ }: تالله لا تزال تذكر يوسف. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { تَفْتَؤُ } تَفْتَرُّ من حبه. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { تَفْتؤُ } ما تفتر من حبه، كذا قال الـحسن فـي حديثه، وهو غلط، إنـما هو: تَفْتَرُّ من حبه، تزال تذكر يوسف. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { قالُوا تاللّهِ تَفْتَؤ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تفترّ من حبه. حدثني الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { تَفْتَؤُ }: تفتر من حبه. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبـي نجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { تاللّهِ تَفْتَؤ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تزال تذكر يوسف. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن أسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: { قالُوا تاللّهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تزال تذكر يوسف، قال: لا تفتر من حبه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { تَفْتُؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تزال تذكر يوسف. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ } قال: لا تزال تذكر يوسف. يقال منه: ما فَتِئْت أقول ذاك، وما فَتَأْتُ لغة، أَفتـىء وأفْتَأُ فَتْأً وفُتُوءاً. وحُكي أيضاً ما أفتأت به ومنه قول أوس بن حجر:
فما فَتِئَتْ حتـى كأنَّ غُبـارَها   سُرَادِقُ يَوْمٍ ذي رِياحٍ تَرَفَّعُ
وقول الآخر:
فمَا فَتِئَتْ خَيْـلٌ تَثُوبُ وتَدَّعِي   ويَـلْـحَقُ مِنها لاحِقٌ وتَقَطَّعُ
بـمعنى: فما زالت. وحذفت «لا» من قوله { تَفْتَؤُ } وهي مرادة فـي الكلام، لأن الـيـمين إذا كان ما بعدها خبراً لـم يصحبها الـجحد، ولـم تسقط اللام التـي يجاب بها الأيـمان، وذلك كقول القائل: والله لآتـينك، وإذا كان ما بعدها مـجحوداً تلقـيت بـ «ما» أو بـ«لا» فلـما عرف موقعها حذفت من الكلام لـمعرفة السامع بـمعنى الكلام، ومنه قول امرىء القـيس:
فقُلْتُ يَـمِينُ اللّهِ أبْرَحُ قاعِداً   ولو قَطَّعُوا رأسِي لَدَيْكِ وأوْصَالـي
فحذفت «لا» من قوله: «أبرح قاعداً»، لـما ذكرت من العلة، كما قال الآخر:
فَلا وأبـي دَهْماءَ زَالَتْ عَزِيزَةً   علـى قومِها ما فَتَّلَ الزَّنْدَ قادِحُ
يريد: لا زالت. وقوله: { حتـى تَكُونَ حَرَضاً } يقول: حتـى تكون دنف الـجسم، مخبول العقل.

السابقالتالي
2 3