الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

يقول تعالـى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أَعْزَزْتـم قومكم، فكانوا أعزّ علـيكم من الله، واستـخففتـم بربكم، فجعلتـموه خـلف ظهوركم، لا تأتـمرون لأمره ولا تـخافون عقابه، ولا تعظمونه حقّ عظمته. يقال للرجل إذا لـم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره: أي تركها لا يـلتفت إلـيها، وإذا قضاها قـيـل: جعلها أمامه ونُصْب عينـيه ويقال: ظهرت بحاجتـي وجعلتها ظِهرِية: أي خـلف ظهرك، كما قال الشاعر:
وَجَدْنا بنـي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ   
بـمعنى: أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يـلتفتون إلـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزُّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللَّهِ واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظهرِيًّا } وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعزّ علـيهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم عزّ ربنا وجلّ ثناؤه. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس: { واتَّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا } قال: قـفـا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزُّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللَّهِ واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظِهْرِيًّا } يقول: عَزَّزتـم قومكم، وأظهرتـم بربكم. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَاتَّـخَذْتُـمُوه وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا } قال: لـم تراقبوه فـي شيء إنـما تراقبون قومي. { وَاتَّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا } يقول: عَزَّزتـم قومكم وأظهرتـم بربكم. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَاتَّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا } قال: لـم تراقبوه فـي شيء، إنـما تراقبون قومي، واتـخذتـموه وراءكم ظِهْرِيًّا لا تـخافونه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: { أرَهْطِي أعَزُّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللَّهِ } قال: أعززتـم قومكم واغتررتـم بربكم، سمعت إسحاق بن أبـي إسرائيـل قال: قال سفـيان: { واتَّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا } كما يقول الرجل للرجل: خـلفت حاجتـي خـلف ظهرك، فـاتـخذتـموه وراءكم ظهريًّا: استـخففتـم بأمره، فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بـين يديه ولـم يستـخف بها. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { واتَّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا } قال: الظهري الفضل، مثل الـجمال يخرج معه بـابل ظهارية فضل لا يحمل علـيها شيئاً إلا أن يحتاج إلـيها، قال: فـيقول: إنـما ربكم عندكم مثل هذا إن احتـجتـم إلـيه، وإن لـم تـحتاجوا إلـيه فلـيس بشيء. وقال آخرون: معنى ذلك: واتـخذتـم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريًّا، فـالهاء فـي قوله: { واتَّـخَذْتُـمُوهُ } علـى هذا من ذكر ما جاء به شعيب علـيه السلام.

السابقالتالي
2