الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

يقول تعالـى ذكره: قالت الـملائكة للوط لـما قال لوط لقومه { لَوْ أنَّ لـي بِكُمْ قُوَّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ } ورأوا ما لَقِـي من الكرب بسببهم منهم: { يا لُوطُ إنَّا رُسُلْ رَبِّكَ } أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إلـيك وإلـى ضيفك بـمكروه، فهوّن علـيك الأمر، { فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّـيْـلِ } يقول: فـاخرج من بـين أظهرهم أنت وأهلك ببقـية من اللـيـل، يقال منه: أسرى وسَرَى، وذلك إذا سار بلـيـل. { وَلا يَـلْتَفِتُ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاَّ امْرأتَكَ }. واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: { فأسْرِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين: «فـاسْرِ» وصل بغير همز الألف من «سَرى». وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: فَأَسْرِ بهمز الألف من «أسرى» والقول عندي فـي ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل قُدْوة فـي القراءة، وهما لغتان مشهورتان فـي العرب معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك. وأما قوله: { إلاَّ امْرأتَكَ } فإن عامة القرّاء من الـحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرءوا بـالنصب { إلاَّ امْرأتَكَ } بتأويـل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلـى أن لوطاً أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نُهِي أن يُسْري بها، وأمر بتـخـلـيفها مع قومها. وقرأ ذلك بعض البصريـين: «إلاَّ امْرأتُكَ» رفعاً، بـمعنى: ولا يـلتفت منكم أحد إلا امرأتُك، فإن لوطاً قد أخرجها معه، وإنه نُهِي لوط ومن معه مـمن أسرى معه أن يـلتفتَ سوى زوجته، وإنها التفتت فهلكت لذلك. وقوله: { إنَّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ } يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب. { إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ } يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فـاستبطأ ذلك منهم لوط، وقال لهم: بلـى عجلوا لهم الهلاك فقالوا: { ألَـيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }: أي عند الصبح نزول العذاب بهم. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { ألَـيْسَ الصُّبْحُ بقَريبٍ }: أي إنـما ينزل بهم من صبح لـيـلتك هذه، فـامض لـما تؤمر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرسل من عند إبراهيـم إلـى لوط، فلـما أتوا لوطاً، وكان من أمرهم ما ذكر الله، قال جبرئيـل للوط: يا لُوطُإنَّا مُهْلِكُوا أهْل هَذِهِ القَرْيَةِ إنَّ أهْلَها كَانُوا ظَالِـمِينَ } فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة فقال له جبرئيـل علـيه السلام: { إن مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَـيْسَ الصُّبْحُ بقَرِيبٍ } فأنزلت علـى لوط: { ألَـيْسَ الصُّبْحُ بقَرِيبٍ } قال: فأمره أن يَسْري بأهله بِقطْع من اللـيـل، ولا يـلتفت منهم أحد إلا امرأته. قال: فسار، فلـما كانت الساعة التـي أهلكوا فـيها أدخـل جبرئيـل جناحه فرفعها حتـى سمع أهل السماء صياح الدِّيَكة ونُبـاح الكلاب، فجعل عالـيها سافلها، وأمطر علـيها حجارة منِ سجِّيـل، قال: وسمعت امرأة لوط الهَدَّة، فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها.

السابقالتالي
2 3 4 5