الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ }

يقول تعالـى ذكره: فلـما جاء ثمود عذابنا، { نَـجَّيْنا صَالِـحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا } به { مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا } يقول: بنعمة وفضل من الله. { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } يقول: ونـجيناهم من هوان ذلك الـيوم وذُلّة بذلك العذاب. { إنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ } فـي بطشه إذا بطش بشيء أهلكه، كما أهلك ثمود حين بطش بها العزيز، فلا يغلبه غالب ولا يقهره قاهر، بل يغلب كلّ شيء ويقهره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } قال: نـجاه الله برحمة منا، ونـجاه من خزي يومئذ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال: قلنا له: حدّثنا حديث ثمود قال: أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود: " كانت ثمود قوم صالـح، أعمرهم الله فـي الدنـيا فأطال أعمارهم حتـى جعل أحدهم يبنـي الـمسكن من الـمدَر، فـينهدم والرجل منهم حيّ، فلـما رأوا ذلك اتـخذوا من الـجبـال بـيوتاً فَرِهين، فنـحتوها وجوّفوها، وكانوا فـي سعة من معايشهم، فقالوا: يا صالـح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلـم أنك رسول الله فدعا صالـح ربه، فأخرج لهم الناقة، فكان شِرْبُها يوماً وشِرْبهم يوماً معلوماً. فإذا كان يوم شربها خـلوا عنها وعن الـماء وحلبوها لبناً، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء، حتـى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الـماء، فلـم تشرب منه شيئاً، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء. فأوحى الله إلـى صالـح: إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم، فقالوا: ما كنا لنفعل فقال: إلا تعقروها أنتـم يوشك أن يولد فـيكم مولود. قالوا: ما علامة ذلك الـمولود؟ فوالله لا نـجده إلا قتلناه قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر. قال: وكان فـي الـمدينة شيخان عزيزان منـيعان، لأحدهما ابن يرغب به عن الـمناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا، فجمع بـينهما مـجلس، فقال أحدهما لصاحبه: ما يـمنعك أن تزوّج ابنك؟ قال: لا أجد له كفؤاً، قال: فإن ابنتـي كفؤٌ له، وأنا أزوّجك فزوّجه، فولد بـينهما ذلك الـمولود. وكان فـي الـمدينة ثمانـية رهط يفسدون فـي الأرض، ولا يصلـحون، فلـما قال لهم صالـح: إنـما يعقرها مولود فـيكم، اختاروا ثمانـي نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهنّ شُرَطاً كانوا يطوفون فـي القرية، فإذا وجدوا الـمرأة تُـمْخَض، نظروا ما ولدها إن كان غلاماً قلبنه، فنظرن ما هو، وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلـما وجدوا ذلك الـمولود صرخ النسوة وقلن: هذا الذي يريد رسول الله صالـح فأراد الشرط أن يأخذوه، فحال جدّاه بـينهم وبـينه وقالا: لو أن صالـحاً أراد هذا قتلناه فكان شرّ مولود، وكان يشِبّ فـي الـيوم شبـابَ غيرِه فـي الـجمعة، ويشبّ فـي الـجمعة شَبـابَ غيره فـي الشهر، ويشبّ فـي الشهر شبـابَ غيره فـي السنة. فـاجتـمع الثمانـية الذين يفسدون فـي الأرض ولا يصلـحون وفـيهم الشيخان، فقالوا نستعمل علـينا هذا الغلام لـمنزلته وشرف جدّيه، فكانوا تسعة. وكان صالـح لا ينام معهم فـي القرية، كان فـي مسجد يقال له مسجد صالـح، فـيه يبـيت بـاللـيـل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، وإذا أمسى خرج إلـى مسجده فبـات فـيه ".

السابقالتالي
2 3 4