الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }

يقول تعالى ذكره: ثم فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن استغفروا ربكم. ويعني بقوله: { وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام وإشراككم الآلهة والأنداد في عبادته. وقوله: { ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } يقول: ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها. ولذلك قيل: { وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } ولم يقل: وتوبوا إليه لأن التوبة معناها الرجوع إلى العمل بطاعة الله، والاستغفار: استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين، والعمل لله لا يكون عملاً له إلا بعد ترك الشرك به، فأما الشرك فإن عمله لا يكون إلا للشيطان، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يطيعون الله بكثير من أفعالهم وهم على شركهم مقيمون. وقوله: { يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إلى أجَلٍ مُسَمًّى } يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إلى أجَلٍ مُسَمًّى } فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه، فإن الله منعم يحبّ الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله، وذلك قضاؤه الذي قضى. وقوله: { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } يعني الموت. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } قال: الموت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } وهو الموت. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { إلى أجَلٍ مُسَمًّى } قال: الموت. وأما قوله: { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } فإنه يعني: يثيب كلّ من تفضل بفضل ماله أو قوّته أو معروفه على غيره محتسباً مريداً به وجه الله، أجْزَلَ ثوابه وفضله في الآخرة. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَيؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } قال: ما احتسب به من ماله، أو عمل بيده أو رجله، أو كلمه، أو ما تطوّع به من أمره كله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

السابقالتالي
2