الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } * { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ }

يقول تعالى ذكره: { فَلَمَّا جاءَهُم الحَقُّ مِنْ عِنْدِنا } يعني: فلما جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج التي جاءهم بها، وهي الحقّ الذي جاءهم من عند الله { قالُوا إنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ } يعنون: أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له. { قالَ مُوسَى } لهم: { أتَقُولُونَ للْحَقِّ لَمَا جَاءكُمْ } من عند الله: { أسحْرُ هَذَا }؟. واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: { أسِحْرٌ هَذَا } ، فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم لأنهم قالوا: أسحر هذا؟ فقال: أتقولون: أسحر هذا؟ وقال بعض نحويي الكوفة: إنهم قالوا هذا سحر، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته: أحقّ هذا؟ وقد علم أنه حقّ. قال: قد يجوز أن تكون على التعجب منهم: أسحر هذا، ما أعظمه وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المقول محذوفاً، ويكون قوله: { أسِحْرٌ هَذَا } من قيل موسى منكراً على فرعون وملئه قولهم للحقّ لما جاءهم سحر، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قال موسى لهم: { أتَقُولُونَ للحَقّ لما جاءَكُمْ } وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه، سحر، أسحر هذا الحقّ الذي ترونه؟ فيكون السحر الأوّل محذوفاً اكتفاء بدلالة قول موسى { أسِحْرٌ هَذَا } على أنه مراد في الكلام، كما قال ذو الرمَّة
:   فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أوْ حِينَ نَصَّبَتْ
لهُ من خَذَا آذَانها وَهْوَ جانِحُ   
يريد: «أو حين أقبل»، ثم حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه، وكما قال جلّ ثناؤه:فإذَا جاءَ وَعْد الآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ } والمعنى: بعثناهم ليسوؤا وجوهكم، فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة يُتعب إحصاؤها. وقوله: { ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ } يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يبقون.