الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

يقول تعالى ذكره: والذين عملوا السيئات في الدنيا، فعصوا الله فيها، وكفروا به وبرسوله، جزاء سيئة من عمله السيء الذي عمله في الدنيا بمثلها من عقاب الله في الآخرة. { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } يقول: وتغشاهم ذلة وهوان بعقاب الله إياهم. { ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ } يقول: ما لهم من الله من مانع يمنعهم إذا عاقبهم يحول بينه وبينهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } قال: تغشاهم ذلة وشدّة. واختلف أهل العربية في الرافع للجزاء، فقال بعض نحويي الكوفة: رفع بإضمار «لهم»، كأنه قيل: ولهم جزاء السيئة بمثلها، كما قال:فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ } فِي الحَجّ والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام. قال: وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ بمِثْلِها }. وقال بعض نحويي البصرة: الجزاء مرفوع بالابتداء: وخبره بمثلها. قال: ومعنى الكلام: جزاء سيئة مثلها، وزيدت الياء كما زيدت في قوله: بحسبك قول السوء. وقد أنكر ذلك من قول بعضهم فقال: يجوز أن تكون الباء في «حسب» زائدة، لأن التأويل: إن قلت السوء فهو حسبك، فلما لم تدخل في الجزاء أدخلت في حسب بحسبك أن تقوم إن قمت فهو حسبك، فإن مدح ما بعد حسب أدخلت الباء فيما بعدها كقولك: حسبك بزيد، ولا يجوز: بحسبك زيد، لأن زيداً الممدوح فليس بتأويل جزاء. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون الجزاء مرفوعاً بإضمار بمعنى: فلهم جزاء سيئة بمثلها لأن الله قال في الآية التي قبلها: { لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ } فوصف ما أعدّ لأوليائه، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه، فأشبه بالكلام أن يقال: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة. وإذا وجه ذلك إلى هذا المعنى كانت الياء للجزاء. القول في تأويل قوله تعالى: { كأنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أصَحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ }. يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعاً من الليل، وهي جمع قطعة. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك، ما: حدثنا به محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة: { كأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً } قال: ظلمة من الليل. واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى: { قِطَعاً } فقرأته عامة قرّاء الأمصار: { قِطَعاً } بفتح الطاء على معنى جمع قطعة، وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كلّ إنسان منهم قطعة من سواد الليل، ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من سواد، إذ جمع «الوجه».

السابقالتالي
2