الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } * { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } * { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } * { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }

قوله - عز وجل -: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }:

فإنه يخرج على الإضمار - والله أعلم - كأنه يقول: ياأيها النبي قل لأمتك: إذا أردتم أن تطلقوا نساءكم فطلقوهن لعدتهن؛ والدليل على أنه هكذا؛ فإنه يخرج الخطاب بعده كله للجماعة؛ حيث قال: { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أو خاطب به النبي [والمراد أمته] وذلك كثير في القرآن.

ثم قوله: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أمر بالطلاق للعدة، ولم يبين أن الطلاق للعدة كيف يكون؟ وذكر في بعض القراءات { فطلقوهن لِقُبُلِ عدتهن } ، ثم ترك بيان ذلك لا يخلو: إما أن يكون الرسول - عليه السلام - قد بين ذلك لهم، فعرفوا ذلك؛ فلم يبين لهم ذلك في الآية، أو جعل معرفة بيان ذلك إليهم؛ ليعرفوا بالاجتهاد.

ثم قوله: (لقبل عدتهن) يحتمل أول عدتهن، ويحتمل ما يقابل عدتهن وهو الحيض من المقابلة فمن يقول: الاعتداد بالأطهار يجعل القبل كناية عن أول الطهر، ومن يقولها بالحيض يجعل القبل ما يقابل العدة وهو الحيض، ثم لنا أن ننظر أي التأويلين أقرب؟

وقد أجمعوا أن له أن يطلقها في آخر الطهر إذا لم يجامعها فيه، دل أن تأويل القبل بما يقابل العدة أحق وهو الحيض، [والاعتداد به] أولى، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ }.

يخرج على وجهين:

أحدهما: احفظوا الحقوق والأحكام التي تجب في العدة؛ فأدوها.

والثاني: احفظوا نفس ما تعتدون به، وهو عدد الحيض الذي بها تعتدون؛ لئلا تزاد ولا تنقص.

ثم جعل الإحصاء إلى الأزواج، يحتمل وجهين:

أحدهما: أنهم هم الذين تلزمهم الحقوق والمؤن.

والثاني: أنه بهم يقع تحصين الأولاد في العدة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }.

دل قوله: { مِن بُيُوتِهِنَّ } على صحة مسألة لأصحابنا - رحمهم الله - فيمن حلف ألا يدخل بيت فلان، فدخل بيتا هو فيه بإعارة [أو إجارة] أنه يحنث.

ووجه ذلك: أن الله تعالى أضاف البيوت إليهن وإن كان حقيقة الملك للأزواج فيها، ألا ترى إلى قوله: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } ، ثم قال: { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ }؛ فدل قوله { مِن بُيُوتِهِنَّ }: أنه أراد به البيوت التي أسكنهن الأزواج فيها، وإذا صحت هذه الإضافة؛ دل على صحة المذهب.

وقال الشافعي فيمن حلف لا يدخل مسكن فلان، فدخل مسكنا هو فيه بإعارة: إنه يحنث، وقال فيمن حلف لا يدخل بيت فلان: إنه لا يحنث، واحتج في المسكن: أنه إنما يحنث؛ لأنه وجد حقيقة السكنى من المحلوف عليه، فإن كان هذا هو الدليل على الحنث، فالواجب عليه أن يحنثه في البيت؛ لوجود البيتوتة على ما حنثه في المسكن، لوجود السكنى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد