الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

وقيل هو منصوب بنزع الخافض، والتقدير بمعروف { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } أي اتبع سبيل من رجع إليّ من عبادي الصالحين بالتوبة والإخلاص { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } جميعاً لا إلى غيري { فَأُنَبِئُكُم } أي أخبركم عند رجوعكم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشرّ فأجازي كلّ عامل بعمله. وقد قيل إن هذا السياق من قوله { ووصينا الإنسان } إلى هنا من كلام لقمان فلا يكون اعتراضاً وفيه بعد. ثم شرع سبحانه في حكاية بقية كلام لقمان في وعظه لابنه فقال { يٰبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ } الضمير في { إنها } عائد إلى الخطيئة، لما روي أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد هل يعلمها الله؟ فقال إنها، أي الخطيئة، والجملة الشرطية مفسرة للضمير، أي إن الخطيئة إن تك مثقال حبة من خردل. قال الزجاج التقدير إن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من خردل، وعبر بالخردلة لأنها أصغر الحبوب، ولا يدرك بالحسّ ثقلها ولا ترجح ميزاناً. وقيل إن الضمير في { إنها } راجع إلى الخصلة من الإساءة والإحسان، أي إن الخصلة من الإساءة والإحسان إن تك مثقال حبة إلخ، ثم زاد في بيان خفاء الحبة مع خفتها فقال { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } فإن كونها في الصخرة قد صارت في أخفى مكان وأحرزه { أَوْ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } أي أو حيث كانت من بقاع السماوات، أو من بقاع الأرض { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } أي يحضرها، ويحاسب فاعلها عليها { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفيّ { خَبِيرٌ } بكل شيء لا يغيب عنه شيء. قرأ الجمهور { إن تك } بالفوقية على معنى إن تك الخطيئة أو المسألة، أو الخصلة أو القصة. وقرءوا { مثقال } بالنصب على أنه خبر كان، واسمها هو أحد تلك المقدرات. وقرأ نافع برفع " مثقال " على أنه اسم كان وهي تامة. وأنث الفعل في هذه القراءة لإضافة مثقال إلى المؤنث. وقرأ الجمهور { فتكن } بضم الكاف. وقرأ الجحدري بكسرها وتشديد النون. من الكنّ الذي هو الشيء المغطى. قال السدّي هذه الصخرة هي صخرة ليست في السٰماوات، ولا في الأرض. ثم حكى سبحانه عن لقمان أنه أمر ابنه بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصيبة. ووجه تخصيص هذه الطاعات أنها أمهات العبادات وعماد الخير كله، والإشارة بقوله { إِنَّ ذٰلِكَ } إلى الطاعات المذكورة، وخبر " إنّ " قوله { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي مما جعله الله عزيمة وأوجبه على عباده. وقيل المعنى من حق الأمور التي أمر الله بها. والعزم يجوز أن يكون بمعنى المعزوم، أي من معزومات الأمور أو بمعنى العازم كقوله

PreviousNext
1 2 4 5