الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

فقال الضحّاك وأبو إسحاق وأبو صالح وقتادة: نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود وليس في أهل الإسلام منها شيء فأما هذه الأمّة فمن أساء منهم وهو يعلم إنه قد أساء وليس بدين.

يدلّ على صحة هذا التأويل. ما روى الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن البرّاء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } والظالمون والفاسقون. قال: كلها في الكافرين.

وقال النخعي والحسن: نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضىً لهذه الآية بها فهي على الناس كلّهم واجبة.

عن ابن عباس وطاووس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعل ذلك وهو به كفر، وليس كمن يكفر باللّه واليوم [الآخر].

عطاء: هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.

عكرمة: معناه ومن لم يحكم بما أنزل اللّه جاحداً به فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. وهذه رواية الوالبي عن ابن عباس قال: وسمعت أبا القاسم الحبيبي، قال: سمعت أبا زكريا العنبري، يحكي عن عبد العزيز بن يحيى الكناني إنه سأل عن هذه الآيات، قال: إنها تقع على جميع ما أنزل اللّه لا على بعضه فكل من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر ظالم فاسق.

فأما من يحكم ببعض ما أنزل اللّه من التوحيد [وترك] الشرك ثم لم يحكم بهما [فبين] ما أنزل اللّه من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات.

قالت الحكماء: هذا إذا ردّ بنص حكم اللّه عياناً عمداً، فأما من جهله أو أخفي عليه أو أخطأ في تأويل ابتدعه أو دليل اتّجه له فلا، وأجراها بعضهم على الظاهر.

وقال ابن مسعود، والسدّي: من ارتشى في الحكم وحكم فيه بغير حكم الله فهو كافر { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ } أي وأوحينا في بني إسرائيل في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } يعني النفس القاتلة بالنفس المقتولة [ظلماً] { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } بقلعهما { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } يجدع به { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } يقطع به أذنيه.

نافع: في جميع الفقهاء [وقرأ] الباقون { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } يقلع به وسائر الجوارح قياس على العين والأنف والأذن { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وهذا مخصوص فيما يمكن القصاص فيه، فأما ما كان من هيضة لحم أو هيضة عظم ويعده ركن لا يحيط العلم به وقياس أو حكومة.

واختلف الفقهاء في هذه الآية، فقرأ الكسائي: { والعين } رفعاً إلى آخره. واختار أبو عبيد لما روى ابن شهاب عن أنس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرأه { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } نصباً، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، كله رفع.

PreviousNext
1 3 4