الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به، تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات، والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود " وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ومعنى قوله تعالى { أَوِّبِي } أي سبحي، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي، بلسان الحبشة، وفي هذا نظر، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها. وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه ــــ " الجمل " ــــ في باب النداء منه { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } أي سيري معه بالنهار كله، والتأويب سير النهار كله، والإسآد سير الليل كله، وهذا لفظه، وهو غريب جداً، لم أره لغيره، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة، لكنه بعيد في معنى الآية ههنا، والصواب أن المعنى في قوله تعالى { أَوِّبِي مَعَهُ } أي رجعي مسبحة معه كما تقدم، والله أعلم. وقوله تعالى { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } قال الحسن البصري وقتادة والأعمش وغيرهم كان لا يحتاج أن يدخله ناراً، ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال تعالى { أَنِ ٱعْمَلْ سَـٰبِغَـٰتٍ } وهي الدروع. قال قتادة وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا ابن سماعة، حدثنا ابن ضمرة عن ابن شوذب قال كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعاً، فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله، وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع. وقال مجاهد في قوله تعالى { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلظه فيقصمها، واجعله بقدر، وقال الحكم بن عيينة لا تغلظه فيقصم، ولا تدقه فيقلق، وهكذا روي عن قتادة وغير واحد، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السرد حلق الحديد. وقال بعضهم يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد بقول الشاعر

السابقالتالي
2