الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قال الإِمام الرازى اعلم أنه لما ذكر - سبحانه - حكم المشركين فى إظهار البراءة من عهدهم، وفى إظهار البراءة عنهم فى أنفسهم، وفى وجوب مقاتلتهم، وفى تبعيدهم عن المسجد الحرام.. ذكر بعده حكم أهل الكتاب، وهو أن يقاتلوا إلى أن يعطوا الجزية فحينئذ يقرون على ما هم عليه بشرائط، ويكونون عند ذلك من أهل الذمة والعهد. وقال ابن كثير ما ملخصه هذه الآية أول أمر نزل بقتال أهل الكتاب - اليهود والنصارى. وكان ذلك فى سنة تسع، ولهذا " تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك، وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة، فندبهم فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة. ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك فى عام جدب، ووقت قيظ حر. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الشام لقتال الروم، فبلغ تبوك، ونزل بها، وأقام بها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار الله فى الرجوع، فرجع عامه ذلك لضيق الحال، وضعف الناس... ". وقوله { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ... } أمر منه - سبحانه - للمؤمنين بقتال أهل الكتاب، وبيان للأسباب التى اقتضت هذا الأمر، وهى أنهم أولاً { لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } لأنهم لو كانوا مؤمنين به إيماناً صحيحاً، لاتبعوا رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ولأن منهم من قالعُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } ومنهم من قالٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وقولهم هذا كفر صريح، لأنه - سبحانه - منزه عما يقولون. قال - تعالى -قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } وثانياً أنهم " لا يؤمنون باليوم الآخر " على الوجه الذى أمر الله - تعالى - به، ومن كان كذلك كان إيمانه. على فرض وجوده. كلا إيمان. قال الجمل ما ملخصه فإن قلت اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف نفى الله عنهم ذلك؟ قلت إن إيمانهم بهما باطل لا يفيد، بدليل أنهم لم يؤمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فلما لم يؤمنوا به كان إيمانهم بالله واليوم الآخر كالعدم فصح نفيه فى الآية ولأن إيمانهم بالله ليس كإيمان المؤمنين، وذلك أن اليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه، والنصارى يعتقدون الحلول، ومن اعتقد ذلك فليس بمؤمن بالله بل هو مشرك. وأيضاً فإن إيمانهم باليوم الآخر ليس كإيمان المؤمنين، وذلك لأنهم يعقتدون بعث الأرواح دون الأجساد، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون - أى أنهم يرون نعيم الجنة وعذاب النار يتعلقان بالروح فقط ولا شأن للجسد بذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6