الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

والمقصود بقوله - تعالى - { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } الحقيقة، فقد روى أنها كانت تحمل بنفسها حزمة الشَّوْك والحسك والسَّعْدَان، فتنثرها بالليل فى طريقه صلى الله عليه وسلم، لإِيذائه به، ويصح أن يكون المراد بهذه الجملة الكناية عن مشيها بين الناس بالنميمة، وإشاعة السوء حول الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقال لمن يمشى بالنميمة ليفسد بين الناس، إنسان يحمل الحطب بين الناس، أى أنه يفسد بينهم. ويصح أن يكون المقصود بهذه الجملة، حملها للذنوب والخطايا، من قولهم فلان يَحْطِب على ظهره، إذا كان يكتسب الذنوب والخطايا، فاستعير الحطب لذلك. وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم. وقوله - سبحانه - { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } زيادة فى تبشيع صورتها، وتحقير هيئتها. والجيد العنق، والمسد الليف المتين الذى فتل بشدة، يقال حبل ممسود، أى مفتول فتلا قويا. والمعنى سيصلى أبو لهب نارا شديدة، وستصلى معه امرأته التى تضع الشوك فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم هذه النار المشتعلة - أيضا -، وسيزيد الله - تعالى - فى إذلالها وتحقيرها، بأن يأمر ملائكته بأن تضع فى عنقها حبلا مفتولا فتلا قويا، على سبيل الإِذلال والإِهانة لها، لأنها كانت فى الدنيا تزعم أنها من بنات الأشراف الأكابر. روى عن سعيد بن المسيب أنه قال كان لها قلادة ثمينة فقالت لأبيعنها ولأنفقن ثمنها فى عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فأبدلها الله عنها حبلا فى جيدها من مسد النار. والذى يتأمل هذه السورة الكريمة، يراها قد اشتملت على أوضح الأدلة وأبلغ المعجزات الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، فإن الله - تعالى - قد أخبر بشقاء أبى لهب وامرأته، وأنهما سيصليان نارا ذات لهب.. وقد علما بما جاء فى هذه السورة من عقاب الله لهما.. ومع ذلك فقد بقيا على كفرهما حتى فارقا الحياة، دون أن ينطقا بكلمة التوحيد، ولو فى الظاهر - فثبت أن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه - عز وجل -. نسأل الله - تعالى - أن يلحقنا بعباده الصالحين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

PreviousNext
1