الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ }

ذي المجد والشرف من باب النسب كلابن وتامر وإلا فالمعروف وصف الذات الشريفة به، وصنيع بعضهم ظاهر في اختيار هذا الوجه، وأورد عليه أن ذلك غير معروف في فعيل كما قاله ابن هشام فيإِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [الأعراف: 56] وأنت تعلم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وشرفه على هذا بالنسبة لسائر الكتب، أما غير الإلهية فظاهر، وأما الإلهية فلإعجازه وكونه غير منسوخ بغيره واشتماله مع إيجازه على أسرار يضيق عنها كل واحد منها. وقال الراغب: المجد السعة في الكرم وأصله مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع، ووصف القرآن به لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية، ويجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كلام المجيد فهو وصف بصفة قائله، فالإسناد مجازي كما في القرآن الحكيم أو لأن من علم معانيه وعمل بما فيه مجد عند الله تعالى وعند الناس، فالكلام بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه، أو فعيل فيه بمعنى مفعل كبديع بمعنى مبدع لكن في مجىء فعيل وصفاً من الإفعال كلام، وأكثر أهل اللغة والعربية لم يثبته، وأكثر ما تقدم في قوله تعالى:صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1] يجري هٰهنا حتى إنه قيل: يجوز أن يكون { قۤ } أمراً من مفاعلة قفا أثره أي تبعه، والمعنى اتبع القرآن واعمل بما فيه، ولم يسمع مأثوراً، ومثله ما قيل: إنه أمر بمعنى قف أي قف عندما شرع لك ولا تجاوزه.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها ومن وراء ذلك جبلاً يقال له قاف، السماء الدنيا مترفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له قاف، السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل ثم قال: وذلك قوله تعالى:وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [لقمان: 27] وأخرج ابن أبي الدنيا في «العقوبات» وأبو الشيخ عنه أيضاً أنه قال: خلق الله تعالى جبلاً يقال له قاف محيطاً بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها فمن ثم تحرك القرية دون القرية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في «العظمة» والحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن بريدة أنه قال في الآية: قاف جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء. وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه أيضاً قال: هو جبل محيط بالأرض.

السابقالتالي
2